وتأمل ما يجري الآن في بيت المقدس، وما كل ذلك إلا فرع عن نبوءة الحاخام البولندي: إيليا بن شلومو زلمان، فذلك مستندهم العلمي في تلك الأحداث الهائلة، فليس لهم مستند، ولو من توراتهم المحرفة، فهي محض وسواس شيطاني لا أصل له! كما صرح بذلك أحد الحاخامات الأمريكيين، وكما أكدت منظمة: "يهود ضد الصهيونية"، فـ: (شَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا)، وكعادة أهل الكتاب فإن من عمدهم في الاستدلال لمسائل الديانة: الكشوف والمنامات والنبوءات ..... إلخ من الوساوس والهواجس!، وهم مع ذلك ماضون في تأويلها في عالم الشهادة بهمة عجيبة وأصحاب الوحي المحفوظ: قاعدون عن إقامة الديانة الصحيحة، فلسان حالهم التكذيب أو الشك فيما بين أيديهم من الحق. وذلك من عجز وتخاذل الثقة في مقابل جلد وهمة الفاجر.
وحال المحدث في الديانة في التصرف في النصوص بإخراجها عن مناطها إلى مناط يلائم هوى المستدل، حاله:
"تحريف الأدلة عن مواضعها: بأن يرد الدليل على مناط فيصرف عن ذلك المناط إلى أمر آخر موهما أن المناطين واحد وهو من خفيات تحريف الكلم عن مواضعه والعياذ بالله.
ويغلب على الظن أن من أقر بالإسلام ويذم تحريف الكلم عن مواضعه لا يلجأ إليه صراحا إلا مع اشتباه يعرض له أو جهل يصده عن الحق مع هوى يعميه عن أخذ الدليل مأخذه فيكون بذلك السبب مبتدعا". اهـ
"الاعتصام"، (1/ 239).
فينبغي أن يكون الفعل مقصودا لذاته على جهة الديانة لا العادة، فلا يتعبد بالعادة لذاتها، وإنما غايتها أن تكون وسيلة إلى مقصد شرعي فتلحق به تبعا، فليس فيها ابتداء: معنى تعبدي يصلح مناطا للثواب والعقاب، وإنما يتعلق الثواب والعقاب بها من خارج، بورود النية التي تجعل المباح واجبا أو مندوبا يتعلق به الثواب، أو محرما يتعلق به العقاب، مع كون الفعل في نفسه واحدا، فليس النظر إلى حاله، وإنما إلى مآله، وما يترتب عليه من المصالح أو المفاسد، وذلك معنى دقيق أشار إليه المحققون من أهل المقاصد، كالشاطبي، رحمه الله، في معرض حكاية طرف من حال أهل الصفة، فقال:
"فكانوا في أثناء ذلك ما بين طالب للقرآن والسنة كأبي هريرة فإنه قصر نفسه على ذلك، ألا ترى إلى قوله في الحديث: وكنت ألزم رسول صلى الله عليه وسلم على ملء بطني فأشهد إذا غابوا وأحفظ إذا نسوا.
وكان منهم من يتفرغ إلى ذكر الله وعبادته وقراءة القرآن فإذا غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا معه وإذا أقام أقام معه حتى فتح الله على رسوله وعلى المؤمنين فصاروا إلى ما صار الناس إليه غيرهم ممن كان ذا أهل ومال وطلب للمعاش واتخاذ المسكن لأن العذر الذي حبسهم في الصفة قد زال فرجعوا إلى الأصل لما زال العارض.
فالذي تحصل أن القعود في الصفة لم يكن مقصودا لنفسه ولا بناء الصفة للفقراء مقصودا بحيث يقال إن ذلك مندوب إليه لمن قدر عليه، ولا هي شرعية تطلب بحيث يقال إن ترك الاكتساب والخروج عن المال والانقطاع إلى الزوايا يشبه حالة أهل الصفة وهي الرتبة العليا لأنها تشبه بأهل صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين وصفهم الله تعالى في القرآن بقوله: (ولا تطرد الذين يدعون ربهم) - وقوله - (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي) فإن ذلك لم يكن على ما زعم هؤلاء بل كان على ما تقدم". اهـ
"الاعتصام"، (1/ 199، 200).
فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا:
فاتخذت، من دونهم حجابا، لتمتشط أو تغتسل، كما قال بعض أهل السير، فأرسل الله، عز وجل، لها روحه القدس، وتلك آية كونية باهرة، فناسب عظمها إسناد فعل الإرسال إلى ضمير الجمع، فهو إرسال كوني لمادة الطهر، روح القدس، عليه السلام، إلى البتول عليها السلام، فتمثل لها بشرا سويا، كما تمثل للأنبياء عليهم السلام، كما في حديث جبريل، عليه السلام، فالملائكة تتجسد في صور آدمية، دون سائر الصور الحيوانية، كما قرر ذلك أهل العلم، بخلاف من قال بتجسدها في صور حيوانية، وذلك من جملة مزاعم النصارى، فبطل به الحد الفاصل بين عالم الملائكة وعالم الجان، فالجان يتجسد في الصور الإنسية والصور الحيوانية، فتمثل
¥