تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ديني أو دنيوي، خَلْقي أو خُلُقي، فذلك من القصر الحقيقي فهو خير الناس لأهله، وحصل ما حصل في الفقرة الأولى من القصر بتعريف الجزأين فجاء النص عاما ثم أفرد فرد منه بالحكم تعظيما لشأنه وتنويها بذكره، فذلك من قبيل التذييل بالخصوص عقيب العموم، فالحكم العام قد تقرر، والحكم الخاص قد تأكد في فرد بعينه هو أشرف أفراد النوع كما تقدم.

ثم جاء قصر آخر بأقوى أساليبه، على سبيل الادعاء إمعانا في المبالغة، فضلا عن حصول التقرير بالمقابلة بين فعل الإكرام ووصف الكرم في الفقرة الأولى مع ما بينهما من جناس اشتقاقي فمادتهما واحدة وهي مئنة من السعة والحسن والنفاسة والسخاء، فحصلت المقابلة بينهما وبين فعل الإهانة ووصف اللؤم في الفقرة الثانية فذلك مما يزيد المعنى بيانا فبضدها تتميز الأشياء.

ووصف زوجه وحبه الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما: "ما ضرب رسول الله بيده شيئا قط لا امرأة ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله".

وعنها وقد سئلت عن خلق رسول الله فقالت: "كان خلقه القرآن"، فذلك جار على ما تقدم من كمال العناية الربانية بصفوة الخلق من الأنبياء والمرسلين فقد جمع لهم الرب، جل وعلا، من كمال الخلق: جلالا وجمالا ما حصلت لهم به الصدارة برسم العصمة، فهم أكمل الناس حالا في موضع الشدة والجلال، وهم، مع ذلك، أكمل الناس حالا في موضع اللين والجمال، ولا يتصف بذلك إلا عظيم، وتلك أخلاق قد تكتسب أصولها بالتعلم، ولكن يظل للأنبياء عليهم السلام منها درجة لا تدانى لرسم العصمة الذي اختصوا به فهو رسم لا يقبل الاكتساب بالمجاهدة والرياضة، فطبعهم على تلك الأحوال الكاملة والأخلاق الفاضلة هو من جملة دلائل النبوة لما تقدم من وجوب اتصاف الرسل عليهم السلام بكمال الباطن خُلقا وكمال الظاهر خَلقا.

والله أعلى وأعلم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير