تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وسلب للممتلكات العامة حتى طال ذلك أسرة المستشفيات!، فضلا عن استباحة دماء أهل السنة، فصار قتل من يصول من أولئك على دماء وأعراض أهل السنة جائزا ما لم يندفع الصائل إلا به، والضرورة تقدر بقدرها، وليس من حمل السلاح فاقتحم دارك طلبا للفتك بك أو انتهاك عرضك كمن لم يجاهر بالعداوة وإن أبطنها، ولكل نازلة جزئية حكمها الخاص، وأهل مكة أدرى بشعابها، فليس من يجلس على أريكته، آمنا في سربه معافى في بدنه، ليكتب كلمات، كمن باشر الابتلاء، فعرف من حقيقته ما لم يعرف المعافى، وتلك فتن تمس الحاجة فيها إلى أقوال أهل العلم، لا سيما علماء المحلة التي نزلت بها النازلة فهم أقدر الناس على تصورها والحكم عليها، وإنما الغرض هنا الإشارة إلى أمر كلي مجمل لا تقرير حكم جزئي مفصل.

وقال أهل العلم أيضا: يجوز له دفع الصائل عن غيره خلافا لمن قصر ذلك على دفعه إذا صال عليه دون غيره، صيانة للدماء ما أمكن.

يقول ابن قدامة، رحمه الله، في "المغني":

"وَإِذَا صَالَ عَلَى إنْسَانٍ صَائِلٍ، يُرِيدُ مَالَهُ أَوْ نَفْسَهُ ظُلْمًا، أَوْ يُرِيدُ امْرَأَةً لِيَزْنِيَ بِهَا، فَلِغَيْرِ الْمَصُولِ عَلَيْهِ مَعُونَتُهُ فِي الدَّفْعِ.

وَلَوْ عَرَضَ اللُّصُوصُ لِقَافِلَةٍ، جَازَ لِغَيْرِ أَهْلِ الْقَافِلَةِ الدَّفْعُ عَنْهُمْ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {اُنْصُرْ أَخَاك ظَالِمًا، أَوْ مَظْلُومًا}.

وَفِي حَدِيثٍ: {إنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَتَعَاوَنُونَ عَلَى الْفَتَّانِ}.

وَلِأَنَّهُ لَوْلَا التَّعَاوُنُ لَذَهَبَتْ أَمْوَالُ النَّاسِ وَأَنْفُسُهُمْ؛ لِأَنَّ قُطَّاعَ الطَّرِيقِ إذَا انْفَرَدُوا بِأَخْذِ مَالِ إنْسَانٍ لَمْ يُعِنْهُ غَيْرُهُ، فَإِنَّهُمْ يَأْخُذُونَ أَمْوَالَ الْكُلِّ، وَاحِدًا وَاحِدًا، وَكَذَلِكَ غَيْرُهُمْ". اهـ

إذ لو قصر الحكم على هذا النحو لاستباح اللصوص وقطاع الطريق ديار المسلمين دارا دار دون أن يتعرض لهم بقية أهل المحلة حتى يأتي دورهم!، على طريقة: أكلت يوم أكل الثور الأبيض، وهذا حال المسلمين اليوم على مستوى الجماعات والأفراد، فسياسة: "الأنا مالية" هي السياسة المعتمدة في أوساط أمة قال عنها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)، وكل منا على تفاوت في ذلك، لا يهتم إلا بإصلاح شأنه الفردي أو الجماعي، فـ: "مصر للمصريين"! وقس على ذلك بقية الأمصار، وأهل المحافظة أو المحلة الواحدة ينتصرون لبعضهم على حد: حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، ولو في المشاجرات التي تقع في وسائل النقل!، بل أهل الحي الواحد ينتصرون لبعضهم في المشاجرات التي تقع رحاها مع الأحياء الأخرى، وأهل العمارة لا يهمهم إلا إصلاح شأنهم وإن فسد شأن بقية سكان الحي، ويصل الأمر إلى أن سكان كل شقة لا يهتمون إلا بتنظيف عتبات منزلهم، وإن قذر ذلك بقية الدرج! فهو هرم متدرج قمته: أصحاب الولايات العامة، وقاعدته: الأفراد، فكل لا يسعى إلا فيما يعود عليه بالنفع الخاص وإن أهدرت المصلحة العامة المعتبرة شرعا في سبيل ذلك.

والصائل على الأديان أشد فتكا من الصائل على الأبدان، ولذلك شرع حد الردة الذي يسعى العلمانيون جاهدين في نسخه!، فهو من الناحية العملية معطل لا أثر له في عالم الشهادة، فلو وجد لانكف كثير من المرتدين المعاصرين عن الجهر بزندقتهم ولآووا إلى جحورهم فرارا من سيف الشرع الحاسم الذي لا يقيم الحدود به إلا إمام جامع، فليس ذلك لآحاد المكلفين لئلا تشيع الفتنة، فتدرء المفسدة وإن كانت عظيمة إذ أي مفسدة أعظم من مفسدة قدح مرتد في الملة وفي نبيها صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فتدرء تلك المفسدة بمفسدة أعظم، إذ ضرر الفتنة عام لا يسلم منه أحد من أفراد الجماعة المسلمة. وشرع، أيضا، تعزير المبتدع المحدث في الدين، فإن لم يندفع شره إلا بالقتل جاز لولي الأمر قتله تعزيرا، والشاهد أن ذلك من صور إحكام هذه الشريعة الخاتمة، إذ تعارض أصلان فقدم أولاهما بالاعتبار حفظا للمصلحة الأعظم، فحفظ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير