تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وذلك كلام قد استوفى قائله، رحمه الله، المراد، فلا مزيد بيان عليه، وهو كسائر الأحوال القلبية: أمر لا يقاس بالحس الظاهر، وإنما يدرك بالحس الباطن، وتفاوت القلوب فيه أمر لا يدركه إلا الباري عز وجل. فالكلام: إشارة للحال لا مباشرة له، فالمباشرة لا تكون باللسان، فلو كانت تلك الأحوال مما يحصل بقول اللسان ما كفت الألسنة عن ترديدها، ولله في قلوب عباده شئون، فقلوب قد بلغت الغاية في التوحيد والتجريد، وقلوب قد هوت في دركات التشريك والتنديد.

وقلوب تتردد بين المنزلتين، فهي في بعض أحوالها موحدة قد جردت جيوش القلب لتحقيق مراد الرب، جل وعلا، وفي بعض أحوالها مشركة قد جردت ذات الجيوش لتحصيل مراد النفس من حظ عاجل، أو مراد الغير على حد: إرضاء من لا يرضى ولو بذلت له نفسك!، فإرضاؤه، كما تقدم من كلام الشافعي رحمه الله، غير مقدرو وغير مأمور به، إذ هو من المحال الذي لا يقع التكليف به.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[02 - 10 - 2009, 03:18 م]ـ

يقول ابن القيم رحمه الله:

"وجماع هذا أَنك إِذا كنت غير عالم بمصلحتك ولا قادر عليها ولا مريد لها كما ينبغى فغيرك أَولى أَن لا يكون عالماً بمصلحتك ولا قادراً عليها ولا مريداً لها، والله سبحانه هو يعلم ولا تعلم ويقدر ولا تقدر، ويعطيك من فضله لا لمعوضة ولا لمنفعة يرجوها منك، ولا لتكثر بك ولا لتعززَّ بك ولا يخاف الفقر ولا تنقص خزائنه على سعة الإِنفاق، ولا يحبس فضله عنك لحاجة منه إِليك واستغناه بحيث إِذا أَخرجه أَثر ذلك فى غناه، وهو يحب الجود والبذل والعطاءَ والإِحسان أَعظم مما تحب أَنت الأَخذ والانتفاع بما سأَلته". اهـ

ص81، 82.

فالعبد مفتقر إلى تدبير الرب العليم الحكيم، جل وعلا، أبدا، فذلك من صور فقره الذاتي المتصل، فلا غنى له عن تدبير رب العالمين الشرعي فبه صلاح قلبه، ولا غنى له عن تدبير رب العالمين الكوني فبه صلاح بدنه، فهو غير عالم بمصالحه، ولذلك بعثت إليه الرسل، عليهم السلام، فتلك أعظم صور العناية الربانية بالنوع الإنساني، إذ حصل ببيانهم: صلاح الدين بتقرير التوحيد، دين المرسلين الجامع، مادة صلاح الروح اللطيف، وصلاح الدنيا فقد أرشدوا إلى كل طيب وحذروا من كل خبيث، على حد قوله تعالى: (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ)، فأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر: صلاح لأديانهم، وتحليل الطيب وتحريم الخبيث: صلاح لأبدانهم، فافتقارهم الشرعي والكوني لا ينقطع، ومن عظم رحمة الله، عز وجل، بعباده، أن الشيء إذا عظمت حاجة البشر إليه: توفرت أسبابه على حد تندفع به تلك الحاجة، فلما كانت حاجتهم إلى النبوات أعظم حاجة إذ بها تحصل النجاة في دار البقاء، تواترت النبوات فيهم، وأقيمت الدلائل القاطعات على صحتها، فجنسها ثابت في الأمم ثبوتا متواترا يفيد علما ضروريا بصحة دعوى من ادعاها من الرسل، عليهم السلام، فأخبارهم أصدق الأخبار، وأحكامهم أعدل الأحكام، فالناظر فيها بعين الإنصاف يعلم يقينا أنها مادة صلاح البشر: روحا وبدنا، وتواطؤها على تقرير التوحيد، أصل كل صلاح ظاهر أو باطن، وأصول الأحكام والأخلاق: مئنة من وحدة المصدر، وذلك مما يؤكد صحتها إذ اطراد الأقوال وعدم وقوع التعارض بينها مئنة من صحتها في نفس الأمر، وأما آحادها فهي مما يثبت بالنظر في دعوى النبوة: شخصا ونوعا، فبالمسلك الشخصي يعرف صدق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في نفسه، وبالمسلك النوعي يعرف صدق الرسالة في نفسها، ولما كانت حاجتهم إلى أسباب الكون من مطعوم ومشروب عظيمة، تيسرت أسباب الحلال الطيب على وجه تندفع به حاجة الأبدان، وإن وقع التضييق فيها في بعض الأعصار أو الأمصار، فذلك عارض مستثنى من الأصل المطرد، به تظهر أوصاف ربوبية الجلال، بتنوع الأقدار ابتلاء أو عقوبة، على حد قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير