تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

{يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوَاْ إِنّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} [التغابن: 14]، {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} ". اهـ

ص80.

ومع كل ما تبذله من نفسك لهم: لا يرضون عنك، إذ ذلك غاية لا تدرك، بخلاف إرضاء الرب، جل وعلا، فهو أولى بصرف الجهد والوقت في تحصيله، إذ مراد الرب منك واحد يجمع قواك الظاهرة والباطنة بخلاف مرادات البشر منك فإنها تتنوع بتنوع أغراضهم وأهوائهم، فتتشتت قواك الظاهرة والباطنة إرضاء لهم، وما أنت بقادر وماهم براضين ولو بذلت لكل ما يحب!، ومراد الرب منك صلاح لك، فليس له فيك حاجة فهو الغني ذاتا وصفاتا، بل هو المغني لك ولغيرك فعلا متعديا إلى الغير على حد التفضل والامتنان، بخلاف مرادهم منك فإنه صلاح لهم ولو بإفساد حالك، إذ حاجتهم إلى الأسباب، وأنت منها، ذاتية أصيلة، فأيهما أولى ببذل الجهد وإنفاق الوقت: من إرضاؤه ممكن مع كونه عين الصلاح لك أو من إرضاؤه محال مع كونه غالبا عين الإفساد لك؟!.

يقول الشافعي رحمه الله:

"رضا الناس غاية لا تدرك، فعليك بالأمر الذي يصلحك فالزمه، ودع ما سواه فلا تعانه. فإرضاء الخلق لا مقدور ولا مأمور، وإرضاء الخالق مقدور ومأمور". اهـ

ومع ذلك لا تكسل عن إيصال النفع إليهم فذلك من مراضي الرب، جل وعلا، بل نوافل النفع المتعدي خير من النوافل اللازمة لذات المتنفل، فطلب العلم خير من صلاة النافلة، إذ نفعه متعد إلى الغير، ونفع نافلة الصلاة لازم، ولذلك قال أهل العلم بجواز صرف زكاة المال إلى من تفرغ لطلب العلم ولم يجوزوا ذلك لمن تفرغ للعبادة، إذ الأول ممن يرجى نفعه لعموم الأمة بخلاف الثاني الذي لا يتعدى نفعه خصوص نفسه.

فعاملهم في الله محتسبا طالبا لمدحه الباقي، ولا تعامل الله فيهم مرائيا متصنعا طالبا لمدحهم الفاني، فإن لم توفق إلى نية صالحة في إسداء المعروف إليهم، فادخر جهدك لئلا تجتمع عليك خسارة الدين بفساد النية وخسارة الدنيا بإنفاق الجهد والمال والوقت بلا طائل، فإنهم بمدحهم لن ينفعوك، بل أكثرهم لفضلك سينكرون!. واستحضار النية في تلك المضائق من أعسر أعمال القلوب إلا على من يسره الله، عز وجل، عليه، فوفقه إلى استحضار نية صالحة في كل أحواله.

يقول ابن القيم رحمه الله:

"فالسعيد الرابح من عامل الله فيهم ولم يعاملهم في الله، وخاف الله فيهم ولم يخفهم في الله وأَرضى الله بسخطهم ولم يرضهم بسخط الله، وراقب الله فيهم ولم يراقبهم فى الله، وآثر الله عليهم ولم يؤثرهم فى الله، وأَمات خوفهم ورجاءَهم وحبهم من قلبه وأَحيى حب الله وخوفه ورجاءَه فيه، فهذا هو الذي يكتب عليهم، وتكون معاملته لهم كلها ربحاً، بشرط أَن يصبر على أَذاهم ويتخذه مغنماً لا مغرماً وربحاً لا خسراناً.

ومما يوضح الأَمر أَن الخلق لا يقدر أَحد منهم أَن يدفع عنك مضرة ألبتة إِلا بإِذن الله ومشيئته وقضائه وقدره فهو فى الحقيقة الذى لا يأْتى بالحسنات إِلا هو، ولا يذهب بالسيئات إِلا هو: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدّ لِفَضْلِهِ} [يونس: 107]، قال النبى صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس: "وَاعْلَمْ أَنَّ الْخَليقَةَ لَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشَيءٍ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يضروك لم يضروكَ إِلا بِشَيءٍ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ"، وإِذا كانت هذه حال الخليقة فتعليق الخوف والرجاء بهم ضار غير نافع. والله أعلم". اهـ

ص81.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير