تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أثبتوها: قدرة كلا قدرة!، ومن قبيل نفي تأثير الأسباب الكونية مطلقا، فأنكروا العلل في باب الإلهيات وإن قرروها في باب الشرعيات، فنظرهم إلى جانب القدرة غلوا وإلى جانب الحكمة جفاء وعليه خرجوا هذا الحديث فقرروا تلك المقالة المستهجنة شرعا وعقلا إذ فيها من التنقص ما يتنزه عنه الباري عز وجل.

يقول ابن القيم رحمه الله في "شفاء العليل":

"وهذا الحديث حديث صحيح رواه الحاكم في صحيحه وله شأن عظيم وهو دال على أن من تكلم به أعرف الخلق بالله وأعظمهم له توحيدا وأكثرهم له تعظيما وفيه الشفاء التام في باب العدل والتوحيد فإنه لا يزال يجول في نفوس كثير من الناس كيف يجتمع القضاء والقدر والأمر والنهي وكيف يجتمع العدل والعقاب على المقضى المقدر الذي لا بد للعبد من فعله ثم سلك كل طائفة في هذا المقام واديا وطريقا فسلك الجبرية وادي الجبر وطريق المشيئة المحضة الذي يرجح مثلا على مثل من غير اعتبار علة ولا غاية ولا حكمة قالوا: وكل ممكن عدل والظلم هو الممتنع لذاته فلو عذب أهل سمواته وأهل أرضه لكان متصرفا في ملكه والظلم تصرف القادر في غير ملكه وذلك مستحيل عليه سبحانه قالوا ولما كان الأمر راجعا إلى محض المشيئة لم تكن الأعمال سببا للنجاة فكانت رحمته للعباد هي المستقلة بنجاتهم فكانت رحمته خيرا من أعمالهم وهؤلاء راعوا جانب الملك وعطلوا جانب الحمد والله سبحانه له الملك وله الحمد.

وسلكت القدرية وادي العدل والحكمة ولم يوفوه حقه وعطلوا جانب التوحيد وحاروا في هذا الحديث ولم يدروا ما وجهه وربما قابله كثير منهم بالتكذيب والرد له وأن الرسول لم يقل ذلك قالوا وأي ظلم يكون أعظم من تعذيب من استنفذ أوقات عمره كلها واستفرغ قواه في طاعته وفعل ما يحبه ولم يعصه طرفة عين وكان يعمل بأمره دائما فكيف يقول الرسول صلى الله عليه وسلم أن تعذيب هذا يكون عدلا لا ظلما ولا يقال أن حقه عليهم وما ينبغي له أعظم من طاعاتهم فلا تقع تلك الطاعات في مقابلة نعمه وحقوقه فلو عذبهم لعذبهم بحقه عليهم لأنهم إذا فعلوا مقدورهم من طاعته لم يكلفوا بغيره فكيف يعذبون على ترك ما لا قدرة لهم عليه وهل ذلك إلا بمنزلة تعذيبهم على كونهم لم يخلقوا السماوات والأرض ونحو ذلك مما لا يدخل تحت مقدورهم قالوا: فلا وجه لهذ ا الحديث إلا رده أو تأويله وحمله على معنى يصح وهو أنه لو أراد تعذيبهم جعلهم أمة واحدة على الكفر فلو عذبهم في هذه الحال لكان غير ظالم لهم وهو لم يقل لو عذبهم مع كونهم مطيعين له عابدين له لعذبهم وهو غير ظالم لهم ثم أخبر أنه لو عمهم بالرحمة لكانت رحمته لهم خيرا من أعمالهم ثم أخبر أنه لا يقبل من العبد عملا حتى يؤمن بالقدر والقدر هو علم الله بالكائنات وحكمه فيها.

ووقفت طائفة أخرى في وادي الحيرة بين القدر والأمر والثواب والعقاب فتارة يغلب عليهم شهود القدر فيغيبون به عن الأمر وتارة يغلب عليهم شهود الأمر فيغيبون عن القدر وتارة يبقون في حيرة وعمى وهذا كله إنما سببه الأصول الفاسدة والقواعد الباطلة التي بنوا عليها ولو جمعوا بين الملك والحمد والربوبية والإلهية والحكمة والقدرة وأثبتوا له الكمال المطلق ووصفوه بالقدرة التامة الشاملة والمشيئة العامة النافذة التي لا يوجد كائن إلا بعد وجودها والحكمة البالغة التي ظهرت في كل موجود لعلموا حقيقة الأمر وزالت عنهم الحيرة ودخلوا إلى الله سبحانه من باب أوسع من السماوات السبع وعرفوا أنه لا يليق بكماله المقدس إلا ما أخبر به عن نفسه على ألسنة رسله وأن ما خالفه ظنون كاذبة وأوهام باطلة تولدت بين أفكار باطلة وآراء مظلمة فنقول وبالله التوفيق وهو المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله: الرب تبارك اسمه وتعالى جده ولا إله غيره هو المنعم على الحقيقة بصنوف النعم التي لا يحصيها أهل سماواته وأرضه فإيجادهم نعمة منه وجعلهم أحياء ناطقين نعمة منه وإعطائهم الأسماع والأبصار والعقول نعمة منه وإدرار الأرزاق عليهم على اختلاف أنواعها وأصنافها نعمة منه وتعريفهم نفسه بأسمائه وصفاته وأفعاله نعمة منه وإجراء ذكره على ألسنتهم ومحبته ومعرفته على قلوبهم نعمة منه وحفظهم بعد إيجادهم نعمة منه وقيامه بمصالحهم دقيقها وجليلها نعمة منه وهدايتهم إلى أسباب مصالحهم ومعايشهم نعمة منه وذكر نعمه على سبيل التفصيل لا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير