فرعا عن بغضه لدينهم، فإن ذلك ناقض لعقد الإيمان في القلب على تفصيل ليس هذا موضعه.
يقول ابن القيم رحمه الله:
"وقال أبو هريرة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا أَنْتَ لاقٍ" رواه البخارى تعليقاً". اهـ
ص97.
فجف القلم الكوني بما يلاقيه العبد، فذلك أمر قد أبرم من الأزل ولما يصر للعبد أو فعله وجود بعد، فمصيره قد حسم قطعا ولما يزل عدما، وإنما اقتضت حكمة الرب أن يوجده ويوجد فعله، فيقع بإرادة مؤثرة، على حد يعجز العقل عن تصوره في عالم الشهادة فلا يقاس وصف الرب الغيبي على وصف العبد الشهودي، بل لكل وصفه، فإذا وقع في عالم الشهادة صار ذا وجود تصح إناطة الثواب أو العقاب به، فيسيل قلم الحفظة بمداد الإحصاء لما يفعله العبد طاعة أو معصية، ديانة أو عادة، فذلك آكد في تقرير ما سطر في الكتاب الأول، إذ لا يكون إلا على وفقه، فهو نسخة منه بها تزداد الحجة ثبوتا، فتعدد محال الكتابة آكد في إثبات المكتوب، كما قيل في تعدد محال الكتاب العزيز، في اللوح والمحفوظ وفي بيت العزة وفي قلب الرسول البشري صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفي قلوب أصحابه، رضي الله عنهم، وفي صحفهم مفرق السور مجتمع الآيات، وفي مصحف أبي بكر، رضي الله عنه، بسائر الأحرف على حد الرخصة، وفي مصحف عثمان، رضي الله عنه، على حرف قريش على حد العزيمة حسما لمادة الفتنة.
يقول ابن القيم رحمه الله:
"وذكر البخاري أيضاً عن ابن عباس فى قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون: 61] قال: سبقت لهم السعادة ". اهـ
ص97.
فهم لها سابقون بما كان في الكتاب الأول فيسارعون إلى أفعالهم الكائنة في عالم الشهادة الوجودي لتقع على وفق المقدور المكتوب في عالم الغيب العدمي.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[29 - 10 - 2009, 04:47 م]ـ
يقول ابن القيم رحمه الله:
"وفي سنن أبي داود وابن ماجه من حديث عبد الله بن مسعود، وحذيفة بن اليمان، وأُبَي بن كعب، وزيد بن ثابت: (أَن الله لو عذب أَهل سماواته وأَهل أَرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته لهم خيراً لهم من أعمالهم، ولو أنفقت مثل أحد ذهباً فى سبيل الله ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقْدَر، وتعلم أَن ما أَصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأَك لم يكن ليصيبك، ولو مت على غير هذا لدخلتَ النار) ". اهـ
ص97.
وليس ذلك جار على ما قرره المتكلمون من كون الظلم هو الممتنع لذاته، فنفوا قدرة الله، عز وجل، على الظلم، إذ الممتنع لذاته لا يصح تعلقه بالقدرة على حد الإمكان الخارجي، وإن صح تعلقه بالأذهان على حد الفرض العقلي، فلا مدح في نفي أمر محال لذاته لا وجود له أصلا، وإنما يكون المدح بالنفي مع إثبات كمال ضده، كما تقدم من طريقة أهل الإثبات في باب الصفات الإلهية، فقوله تعالى: (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ): لا يتضمن مدحا إلا إذا كان الظلم أمرا وجوديا، وكان الله، عز وجل، قادرا عليه، ولكنه تنزه عنه بمقتضى حكمته البالغة وغناه التام عن خلقه فلا يفتقر إلى ما بأيديهم من الأسباب أو النعم ليظلمهم بسلبهم إياها قهرا على حد ما يقع من الظالمين في عالم الشهادة، بل هو الخالق للملاك وأملاكهم، المجري لأسباب النعم التي بين أيديهم فكيف يتصور افتقاره إليها، وهو أمر تقدمت الإشارة إليه مرارا.
وهو، مع ذلك، لو عذبهم، ما كان لهم ظالما باعتبار عجزهم، ولو اجتهدوا ما اجتهدوا في عبادته وشكر نعمه، عن أداء شكر نعمة واحدة، فالمعنى على هذا التقرير صحيح بخلاف ما قرره المتكلمون من تجويز تعذيبه لأوليائه من أنبيائه عليهم السلام والصديقين والشهداء والصالحين، وتنعيمه لأعدائه من الأبالسة والكفار والملاحدة والمشركين، لطلاقة قدرته النافذة دون نظر منهم إلى عظم حكمته البالغة، إذ تعذيب المؤمن وتنعيم الكافر غير جار على سننها، ولكنهم لغلوهم في إثبات القدرة الإلهية على حد أوقعهم في صور من الجبر من قبيل نظرية الكسب التي مؤداها إثبات قدرة اقترانية غير مؤثرة في إيجاد الفعل تأثير السبب في إيجاد مسبَّبه دون نفي للقدر الكوني النافذ الذي به أدى ذلك السبب إلى مسبَّبه كما هو مذهب أهل الحق في باب القدر فالقدرة التي
¥