تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"ورأى آخر رجلاً يفجر بامرأته، فبادر ليأخذه فهرب، فأقبل يضرب المرأة وهى تقول: القضاءُ والقدر. فقال: يا عدوة الله أتزنين وتعتذرين بمثل هذا؟ فقالت: أو تركت السنة وأخذت بمذهب ابن عباس، فتنبه ورمى بالسوط من يده واعتذر إليها وقال: لولاك لضللت!.

ورأى آخر رجلاً آخر يفجر بامرأته فقال: ما هذا؟ فقالت: هذا قضاءُ الله وقدره!. فقال: الخيرة فيما قضى الله، فلقب بالخيرة فيما قضى الله، وكان إذا دعي به غضب". اهـ

ص106.

وذلك جار على حد ما تقدم من شيوع الدياثة في الجماعة التي يهمل أفرادها التواصي بالحق امتثالا والصبر على ما يلقاه أولئك من عسف وضيم، فلا بد أن تشيع الفواحش في الجماعات التي تهمل هذه الشعيرة، لغياب الوازع الجماعي الذي يردع آحاد المفسدين فإنهم لا ينزجرون إلا بالسلطان سواء أكان سلطان السيف أم سلطان الجماعة التي تأخذ على يد المفسد لئلا يتعدى إفساده إلى غيره فـ: "مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنْ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا"، فذلك من شؤم المعصية الذي يتعدى إلى الغير فليت العاصي جلب الضر لنفسه بل هو جالب له لغيره فيطال الصالحين من شؤمه ما يوجب هلاك الكل، على حد حديث: "أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ"، وهذا أمر مشاهد في كثير من النكبات العامة التي تحل بالمسلمين، لا سيما في الأعصار المتأخرة، فإنها نوازل كونية عامة لا تخص أفرادا دون آخرين، بل يهلك فيها الصالح والطالح، فتصير في حق الأول: ابتلاء، وفي حق الثاني: عقابا، ولكن الصورة الظاهرة في هذه الدار واحدة إذ كلٌ قد هلك بشؤم معصية الجزء التي طالت الكل، على حد قوله تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا)، فلم يأمر الله، عز وجل، بأمره الكوني، إذ لا يأمر تبارك وتعالى بالفسق شرعا، لم يأمل أهل القرية جميعا، وإنما أمر الطبقة المترفة!، وهي سبب رئيس من أسباب وقوع النكبات في سائر الأمم إذ هي الأجرأ على المحارم، الأبعد عن الفضائل، إلا من رحم الرب جل وعلا، على حد مؤمن فرعون، فلكل زمان فرعون ولكل زمان مؤمن!، فلا تكتفي بفسادها في نفسها بل تروج له وربما قهرت غيرها عليه بحد سيف السلطان، ففساد في النفس وإفساد للغير، فسرت الجناية إلى بقية أعضاء الجسد فاستوجب التلف برسم العقوبة الكونية العامة: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ).

فوجود فئة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، لا سيما إن كان ذلك برسم السلطان فينيب عنه من يقوم بها إذ هي من الفروض الكفائية التي تسقط بأداء البعض وإن خوطب بها الكل ابتداء بل ووجبت أجناس خاصة منها على كل مكلف في نفسه وسلطانه الخاص فضلا عن واجب النصرة لأصحاب السلطان العام في ذلك ولو بكف اللسان عنهم! وبذل النصح لهم إن وقع الخطأ الذي لا يسلم منه بشر إلا من عصم، وجود هذه الفئة مادة صلاح وصمام أمان للجماعة المسلمة: (فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ)، فلولا تحضيضية على تأويل: فهلا وجدت هذه الطائفة التي بها تحصل النجاة للجماعة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير