تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وذلك باب دقيق قد زلت فيه أفهام وأقدام فمن تفريط بترك كلٍ يفعل ما يشاء ولو كان للمكلف عليه ولاية، كما يقع من بعض الأزواج والآباء الذين أصابت المدنية الحديثة مروءتهم في مقتل، ومن إفراط بالتعدي في الإنكار بلا ولاية أو نيابة عن سلطان لا سيما في الأعصار والأمصار التي يكون السلطان نفسه سببا من أسباب الفساد!.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[29 - 12 - 2009, 09:27 ص]ـ

وقد تبلغ النفوس من الانتكاس والفطر من الفساد حد الاحتفاء بالمنكر، والترويج له ترويج صاحب كل مقالة باطلة لمقالته، فتستعمل الأسماء المزخرفة لستر قبح المقالة، فلن يروج مبتدع لبدعته أو داعر لطريقته باسمها الصريح فذلك مما يكنى عنه كراهة ذكره صراحة!، فمن هؤلاء من حكى ابن القيم، رحمه الله، طرفا من احتفائهم بالمنكرات بقوله:

"وقال بعض هؤلاء، (وهو يريد ابن سينا الفيلسوف الطبيب المعروف): العارف لا ينكر منكراً، لاستبصاره بسر الله فى القدر. ولقد دخل شيخ من هؤلاء بلداً، فأول ما بدأ به من الزيارات زيارة المواخير المشتملة على البغايا والخمور، فجعل يقول: كيف أنتم فى قدر الله؟!. وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: عاتبت بعض شيوخ هؤلاء فقال لي: المحبة نار تحرق من القلب ما سوى مراد المحبوب والكون كله مراده، فأي شيء أبغض منه؟ قال: فقلت له إذا كان المحبوب قد أبغض بعض من في الكون وعاداهم ولعنهم، فأحببتهم أنت وواليتهم، أكنت ولياً للمحبوب أو عدواً له؟ قال: فكأنما ألقم حجراً". اهـ

بتصرف يسير من: ص107.

فلم يفرق أولئك بين القدر الكوني: متعلق المشيئة، والقدر الشرعي: متعلق المحبة، فصار حد مادة القدر عندهم واحدا: فهو لازم المحبة وإن جاء على رسم مخالفة الشريعة الظاهرة، فكل فعل من فاعله مراد للرب، جل وعلا، على حد الرضا والمحبة فيحب الطاعة من المطيع والمعصية من العاصي، والإيمان من المؤمن، والكفر من الكافر!، وذلك نقض صريح لناموس الشريعة الظاهر: شريعة: (وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ). ولذلك التزم أولئك لتبرير مقالتهم مسالك باطنية أخرجت غلاتهم إلى حد الزندقة والانحلال، فبعضهم تخطى ذلك إلى القول بأن الكل من عين واحدة قد صدر، فوقع في مقالة الاتحاد اتي استبيحت بها كل المحارم، لاتحاد عين المخلوقات بالخالق، فما هي إلا مظاهر لصفات جلاله وجماله كما زعم صاحب "الفصوص"، فلا فرق بين مؤمن وكافر، أو خمر وماء، أو زوجة وأخت، وإنما يفرق بين الموجودات من غلظ حجابه وكثف طبعه فهو من أهل الشريعة التي جاوزها القوم إلى الحقيقة، فعرفوا أن الأنبياء قد حجروا واسعا إذ أمروا ونهوا، مع اتحاد العين، فوحدتهم في الأديان التي جعلوها بمنزلة المذاهب لشريعة واحدة فالكل ناج أيا كانت ملته، والأعيان التي جعلوها عينا واحدة فالكل منها صادر، فلا علة صحيحة للتفريق بين مظاهرها في الخارج!.

وبلغ الأمر ببعضهم إلى أن تدين بارتكاب الفاحشة أو بمباشرة مقدماتها، فلم يرتكبها، بل لم يستحلها، بل زاد على ذلك أن جعلها دينا يتعبد به فهي وسيلة لتصفية النفس وتجريدها من العلائق، فالعشق يصفي النفس ويهذب الطبع فيسهل على صاحبه سلوك طريق التأله!، كما ذكر ابن سينا في "إشاراته".

يقول ابن تيمية رحمه الله:

"وأبلغ من ذلك تعبد طوائف من المتزهدة والمتعبدة بمعاشرة الأحداث المردان والنساء الأجانب والنظر إليهم والخلوة بهم والمحبة والهوى فيهم وبما قد يكون وقد لا يكون وراء ذلك من الفاحشة الكبرى.

وهذا ابتدأه المشركون من الصابئة وغير الصابئة الذين هم أولياء الشياطين الذين هم مشركون كما ذكر ابن سينا في إشاراته وزعم أنه مما يعين على السلوك والتأله: العشق العفيف واستماع الأصوات الملحنة كما ذكر أيضا الشرك بعبادة الصور ويذكر هو وطائفته عبادة الكواكب.

وهذا في النصارى أيضا منه جانب قوي وهم أيضا قد ابتدعوا شركا لم ينزل الله به سلطانا كما قال تعالى: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون) ". اهـ

"الاستقامة"، ص433.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير