تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بالضلال عن الحق عقوبة دائمة مستمرة وقد يعاقب به إلى وقت ثم يعافي عبده ويهديه كما يعاقب بالعذاب كذلك". اهـ

"شفاء العليل"، ص159.

فله الشكر على معافاته فذلك من فضله وله الحمد على ابتلائه فذلك من عدله، فهو المستحق للثناء على كل حال، وإنما يتعلق الذم بالعبد إذا أعرض عن الطريقة الشرعية بزعم موافقة الإرادة الكونية.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[10 - 02 - 2010, 08:28 ص]ـ

يقول ابن القيم رحمه الله:

"والرب سبحانه إن لم يغفر للإِنسان فيقيه السيئات ويرحمه فيؤتيه الحسنات وإِلا هلك ولا بد، إذ كان ظالماً لنفسه ظلوماً بنفسه، فإِن نفسه ليس عندها خير يحصل لها منها، وهي متحركة بالذات فإِن لم تتحرك إلى الخير تحركت إلى الشر فضرت صاحبها، وكونها متحركة بالذات من لوازم كونها نفساً لأَن ما ليس حساساً متحركاً بالإِرادة فليس نفساً، ففي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أَصْدَقُ الأَسْمَاءِ حَارِثٌ وَهَمَّام"، فالحارث الكاسب العامل، والهمام الكثير الهم، والهم مبدأُ الإرادة فالنفس لا تكون إلا مريدة عاملة، فإن لم توفق للإرادة الصالحة وإلا وقعت فى الإِرادة الفاسدة والعمل الضار، وقد قال تعالى: {إِنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً إِلا الْمُصَلِّينَ} [المعارج: 19 - 22]، فأَخبر تعالى أَن الإنسان خلق على هذه الصفة، وأن من كان على غيرها فلأَجل ما زكاه الله به من فضله وإِحسانه وقال تعالى: {وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفاً} [النساء: 28]، قال طاوس ومقاتل وغيرهما: لا يصبر عن النساءِ. وقال الحسن: هو خلقه من ماءٍ مهينٍ. وقال الزجاج: ضعف عزمه عن قهر الهوى. والصواب أَن ضعفه يعم هذا كله، وضعفه أَعظم من هذا وأَكثر: فَإنه ضعيف البنية، ضعيف القوة، ضعيف الإرادة، ضعيف العلم ضعيف الصبر، والآفات إليه مع هذا الضعف أَسرع من السيل فى صيب الحدود". اهـ

ص131.

فإن قطع عنه الرب، جل وعلا، مدده الشرعي فإنه يرجع إلى أصله العدمي، فلا خير فيه إلا ما أمده الرب، جل وعلا، به من الإرادات الصالحة والحسنات الكاملة، فالخير بيديه،، ولا شر إلا ما ركز في النفوس بمقتضى الجبلة الأولى فهو في المقدور الكائن لا في المقدر المكوِّن، جل وعلا، فالشر ليس إليه، وإن كان من خلقه بقدره الكوني النافذ، فإنه، كما تقدم مرارا، جزئي بالنظر إلى ما يستجلب به من المصالح الكلية العظمى، فليس مرادا لذاته بل هو مراد لغيره فعليه تترتب منافع لولا وجوده ما وجدت فهو الذريعة إلى إيجادها بمقتضى ما سن الرب، جل وعلا، من السنن الكوني المحكم.

وهو لا بد عامل فإما أن يمده الرب، جل وعلا، بأسباب العمل الصالح فيجيء عمله على مراد الرب الشرعي والكوني من باب أولى، لخصوص الأول وعموم الثاني، وإما أن يقطع عنه مدد الخير، فينصرف قلبه إلى غيره، فتتوالى العقوبات بالمعاصي على هذا الانصراف إذ أعرض صاحبه عن الشرع ابتداء لانقطاع مادة الخير من قلبه، فلا يكون هدى أو ضلال إلا بإذن كوني نافذ فكل ميسر لما خلق له من العلوم والأعمال، فلا بد له من عمل شاء أو أبى فذلك مما جبلت عليه النفوس من الطبائع، فهي، أبدا، حساسة متحركة، لم تخلق لتترك وتسكن بل لا بد أن تعمل وتتحرك، فإن لم تعمل بمقتضى الرسالات عملت بمقتضى غيرها من الشرائع الوضعية أو الأهواء العقلية أو الأذواق القلبية ........... إلخ من مصادر التلقي التي تضطر إليها نفوس من حجبوا عن طرائق النبوات في إكمال القوى العلمية بأصدق الأخبار وإكمال القوى العملية بأعدل الأحكام، فبها يتزكى الباطن بأصح العلوم وأكمل الأحوال والإرادات، ويتزكى الظاهر بأعدل الأحكام والعبادات فلا غلو ولا جفاء، بل توسط في سائر الأحوال الباطنة والظاهرة، فمن مال إلى تزكية الباطن فأهمل الظاهر فهو إلى طريق النصارى مائل، ومن مال إلى تزكية الظاهر فأهمل الباطن فهو إلى طريق يهود حائد، ولا يجمع بين القوتين: الباطنة والظاهرة إلا أتباع الرسالة الخاتمة.

يقول ابن تيمية، رحمه الله، في "اقتضاء الصراط المستقيم"، في معرض بيان حركة النفوس بإرادات الفعل الوجودي لا الترك العدمي:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير