تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وكل ذلك منه حسن جميل له عليه أتم حمد وأكمله وأفضله، وهو حكم عدل وقضاءٌ فصل، وأنه المحمود على ذلك كله فلا يلحقه منه ظلم ولا جور ولا عبث، بل ذلك عين الحكمة ومحض الحمد وكمال أظهره فى حقه وعز أبداه وملك أعلنه ومراد له أنفذه كما فعل بالبدن وضروب الأنعام أتم بها مناسك أوليائه وقرابين عباده، وإن كان ذلك بالنسبة إلى الأنعام هلاكاً وإتلافاً، فأعداؤه الكفار المشركون به الجاحدون أولى أن تكون دماؤهم قرابين أوليائه وضحايا المجاهدين فى سبيله، كما قال حسان بن ثابت:

يتطهرون يرونه قربانهم ******* بدماءِ من علقوا من الكفار". اهـ

ص164.

فتحقق في المؤمنين معاني أسماء الجمال فهو: الغفور الذي ستر الذنب، الرحيم الذي اختص المؤمنين برحماته الخاصة في دار الجزاء، وأعظمها دار النعيم فـ: "أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي"، وتحقق في الكافرين معاني أسماء الجلال، فهو العزيز القهار، شديد العقاب لمن عصاه، فعذب أعداءه بيد أوليائه، فـ: (ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ)، فلو شاء لأهلكهم بكلمة كونية واحدة، فـ: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)، ولكنه شاء أن تظهر في مدافعة عباده بعضهم: آثار حكمته الباهرة، فأعز جنده، وجعل أعداءه قرابين تذبح وضحايا تهدى فـ: (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)، فأوليائه عقوبته العاجلة لأعدائه، إن أمضوا السنة الشرعية، بشهر سيوف الحق دفعا وطلبا، والمسلمون، على الجانب الآخر، فتنة لأعدائه إن سلطهم عليهم بذنوبهم، كما هي الحال في زماننا، فهي الحال التي استعاذ منها المؤمنون، فـ: (رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، فقد صار الموحدون هم القرابين، فذلك، أيضا، من كمال عدله وحكمته، فلا ملاطفة في السنة الكونية، ولا مجاملة لمن فرط في السنة الشرعية، وإنما الشأن: مباشرة السبب توصلا إلى مسبَّبِه، فجهاد أولياء الشيطان مظنة العزة، والقعود برسم التثاقل إلى الأرض أو الخيار الاستراتيجي الوحيد: سلام الجبناء!، مظنة الذلة وتسلط الأراذل، وتعطيل سيف الشريعة فلا ينال من الزنادقة، ذريعة إلى التطاول على أصول الديانة، فالطاعن في مأمن، فلا ينفذ فيه هذا السيف إلا بأمر سلطان عام، له من ولاية الحسبة ما ليس للأفراد، وسلاطين زماننا إما فاجر لا يقيم للدين وزنا فلا يغضب إلا لملكه، وإما عاجز يخشى تبعة ذلك، فمنظمات حقوق الإنسان في الكفر والعصيان لا يسلم من تحرشها إلا من سار على سننها!، فقلت غيرته على المحارم الشرعية بل والفطرية التي تغار عليها البهائم، وإنما الشأن في الزمان الأول:

"لما ضحى خالد بن عبد الله القسري بشيخ المعطلة الفرعونية جعد بن درهم، (حامل لواء مقالة نفي الأسماء والصفات الإلهية)، فإن خطبهم فى يوم أضحى، فلما أكمل خطبته قال: أيها الناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضح بالجعد بن درهم، إنه زعم أن الله لم يكلم موسى تكليما، ولم يتخذ إبراهيم خليلاً، تعالى عما يقول الجعد علواً كبيراً، ثم نزل فذبحه، فكان ضحيته. وذكر ذلك البخاري في كتاب خلق الأفعال". اهـ

ص164.

وذلك مما حمد به ولاة بني أمية على ما كان عليهم من مآخذ شرعية، لا سيما في مسائل كتأخير الصلاة وتقديم العرب برسم العصبية ..... إلخ، فقد عرفوا بالحرص على حماية جناب الشريعة فأعملوا سيف الشريعة في كثير من رءوس البدع التي أطلت بعد ذهاب القرن الأول، فهم الأمان لهذه الأمة فـ: "أَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ".

يقول ابن القيم رحمه الله:

"فهذا شهود أوليائه من شأن أعدائه، ولكن أعداؤه فى غفلة عن هذا لا يشهدونه ولا يقرون به، ولو شهدوه وأقروا به لأدركهم حنانه ورحمته، ولكن لما حجبوا عن معرفته ومحبته وتوحيده وإثبات أسمائه الحسنى وصفاته العليا ووصفه بما يليق به وتنزيهه عما لا يليق به صاروا أسوأ حالاً من الأنعام وضربوا بالحجاب، وأبعدوا عنه بأقصى البعد وأخرجوا من نوره إلى الظلمات، وغيبت قلوبهم فى الجهل به وبكماله وجلاله وعظمته فى غابات، ليتم عليهم أمده، وينفذ فيهم حكمه، والله عليم حكيم، والله أعلم". اهـ

ص164.

فإنما أتي من أتي منهم لجهله بكمال أوصاف الرب، جل وعلا، فله صفات الكمال: جلالا وجمال: ثبوتا، وله التنزيه بسلب أوصاف النقصان، فلا يعتريه نقص في ذاته أو وصفه أو فعله، فهو الأول على جهة الإطلاق، بكمال الذات والوصف، وهو الآخر على جهة الإطلاق، فمن غيب عن هذا المقام الشريف بسبق قضاء الرب، جل وعلا، فيه، فحكمه، جل وعلا، بالعدل فيه ماض، كما أن من أحضرت نفسه هذا المقام، ففضله، جل وعلا، فيه كائن، فالعباد، كما تقدم مرارا، في مأمن من ظلم الغني، تبارك وتعالى، فبين فضله وعدله يتقلبون، فلا حجة لأحد من الخلق عليه، بل عطائه محض إحسان، ومنعه عدل لا جور فيه، فقد تنزه عن الفقر إلى ما منح عباده، فلا يظلم ربك أحدا.

والله أعلى وأعلم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير