تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كسائر نوافل العبادات، فعلا كانت كالصلاة، أو تركا كالصيام، بدنية كانت كالصلاة، أو مالية كالزكاة أو مركبة منهما كالحج والجهاد ....... إلخ من تقسيمات العبادات الاصطلاحية.

يقول ابن القيم رحمه الله:

"فاعلم أن الذين كان قسمهم أنواع المعاصي والفجور، وفنون الكفر والشرك والتقلب في غضبه وسخطه وقلوبهم وأرواحهم شاهدة عليهم بالمعاصي والكفر مقرة بأن له الحجة عليهم وأن حقه قبلهم، ولا يذكر أحد منهم النار إلا وهو شاهد بذلك مقر به معترف اعتراف طائع لا مكره مضطهد، فهذه شهادتهم على أنفسهم وشهادة أوليائه عليهم والمؤمنون يشهدون فيهم بشهادة أخرى لا يشهد بها أعداؤه، ولو شهدوا بها وباؤا بها لكانت رحمته أقرب إليهم من عقوبته، فيشهدون أنهم عبيده وملكه وأنه أوجدهم ليظهر بهم مجده وينفذ فيهم حكمه ويمضى فيهم عدله، ويحق عليهم كلمته ويصدق فيهم وعيده ويبين فيهم سابق علمه، ويعمر بهم ديارهم ومساكنهم التي هى محل عدله وحكمته.

وشهد أولياؤه، (في مقابل شهادة أعدائه)، عظيم ملكه وعز سلطانه وصدق رسله وكمال حكمته وتمام نعمته عليهم وقدر ما اختصهم به ومن أي شيء حماهم وصانهم، وأي شيء صرف عنهم". اهـ

بتصرف من: ص163، 164.

فشهدوا على أنفسهم بالجناية، فذلك من كمال عدله، عز وجل، فيهم، فـ: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ)، فتسلط الاستفهام على النفي مئنة من الإثبات، فقد جاءكم رسل منكم باعتبار المجموع لا الجميع، فمن البشر رسل قد عمت رسالاتهم، فبعث النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى الثقلين، فلسان مقال الجان: (يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآَمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)، فقامت عليهم الحجة الرسالية في دار الابتلاء، وأنطق منهم، جل وعلا، الشاهد عليهم، في دار الجزاء فذلك، أيضا، مئنة من كمال عدله، فـ: (قَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)، فذلك من قياس الأولى، فمن خلق ابتداء قادر على الإنطاق انتهاء، فأولئك شهود وصف الجلال، وفي مقابلهم شهود وصف الجمال، من عباده المؤمنين فشهدوا على كمال حكمته وتمام نعمته، فلسان مقالهم: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ)، فأقروا له بالفضل فلولا ما سبق في علمه بنجاتهم ما نجوا، وإنما فعلوا ما فعلوا من خير، بما يسره الله، عز وجل، لهم من الأسباب الشرعية والكونية فـ: (لَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ)، فحبب إليهم طرائق الخير، بما آتاهم من قوى العلم النافع، ويسر لهم سلوكها بما آتاهم من قوى العمل الصالح، وبغض إليهم في المقابل: أسباب الشر فصرفهم عنها، وثبطهم عن مباشرتها، فذلك من فضله ولو شاء لابتلاهم بها عدلا، فالعافية منه في الدين والدنيا: فضلا لا عن سابق حق، والابتلاء منه: عدل فلا يظلم ربك أحدا.

يقول ابن القيم رحمه الله:

"وأنه لم يكن لهم إليه وسيلة قبل وجوده يتوسلون بها إليه أن لا يجعلهم من أصحاب الشمال وأن يجعلهم من أصحاب اليمين، وشهدوا له سبحانه بأن ما كان منه إليهم وفيهم مما يقتضيه إتمام كلماته الصدق والعدل قوله وتحقق مقتضى أسمائه فهو محض حقه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير