تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

طبيعية بعد، فالزنى مستقبح من القاصرين مستحسن من البالغين الذين يدركون معنى الأبوة ولو خارج نطاق الأسرة الشرعية!.

فإذا كان هذا حال مجتمع محافظ، بما عرف عن الإنجليز، أو هكذا روجوا، من الصرامة والجدية .......... إلخ، وهي صفات قد توجد آثارها في الحياة العملية لا الحياة الاجتماعية التي يغلب عليها الانفلات الأخلاقي الذي يباركه المجتمع طالما تراضت أطرافه فلم يقع اعتداء من أحد على أحد، فهو انحراف مسالم لا عدوان فيه!، وذلك بطبيعة الحال مخالف لكل الشرائع الإلهية بل والأقيسة العقلية، إذ لا يتصور شيوع الإنحراف الأخلاقي في ظل غياب النبوات بأحكامها التي تحفظ كيان الجماعات، لا يتصور ذلك دون ارتفاع في نسب الجرائم الأخلاقية التي يزعم أولئك أنهم ما انتصروا للحرية بمفهومها المنحرف إلا حدا منها على طريقة المزدكية في إشاعة الأعراض والأموال نزعا لأسباب الشقاق بين البشر، فإذا كان هذا حال مجتمع محافظ كالمجتمع البريطاني فكيف بالمجتمعات الأخرى كالمجتمع الفرنسي أو الهولندي أو المجتمعات الإسكندنافية وتلك من أبعد المجتمعات عن النبوة، فبعدها المعنوي عنها كبعدها المكاني عن أرض الشرق التي خرجت منها النبوات، ولذلك يوجد فيها من الأمراض الاجتماعية ما لا يوجد في غيرها، مع كونها من أرقى الدول مدنية.

وقد صار الجنس في العرف الأوروبي بمنزلة الأكل والشرب، فهو غريزة مجردة عن أي آداب، بل إن للطعام والشراب آدابا فلا يخلو أي سلوك إنساني عن آداب تهذبه، وأكملها آداب النبوة، فإذا نزل الجنس منزلتهما لم يعد للإنكار داع، إذ لا يُنْكَر على الإنسان إذا أكل أو شرب!. وتلك غاية العلمانيين من الترويج للأفكار الغربية، الأخلاقية والاجتماعية تحديدا، فيصبح الحياء أثرا بعد عين، إذا تم تداول كل شيء على المكشوف بحجة أن ذلك علم له قواعده وأصوله ومصطلحاته وأساتذته المتخصصون.

ولا يدري الناظر: كيف يمكن إغفال النتيجة العملية لهذا الفكر المنحرف، وهي ماثلة لكل ذي حس سليم، فيبني المُنَظِّر لهذا المنهج في بلاد الإسلام بنيانه على مقدمات قد ظهرت نتائجها في عالم الشهادة، فالبحث منته قبل أن يبدأ، ومع ذلك يحاول تأصيله، فهو منهج صحيح، فالعيب في أوروبا التي ابتكرته لا فيه، فهو يصلح لأمة الإسلام بديلا عن الوحي، وإن لم يصلح لأوروبا التي اضطرت إليه تحت ضغط الكنيسة الرهيب على العقول، برسم الخلاص الذي لا يكون إلا بالتذلل والانكسار لباباواتها وقساوستها الذين نصبوا أنفسهم آلهة أرضية تحكم نيابة عن المسيح عليه السلام.

والتشدق بالعلم في مقابل الوحي، إنما يكون في مناهج قامت على تجهيل البشر والاستخفاف بعقولهم ومحاربة أي عقل نابه منها، بخلاف المنهج الإسلامي الذي قام على تحرير العقول من إلف الآباء والأجداد على حد قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آَبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ)، فقد أتى الوحي بأصح البراهين النقلية والعقلية في مسألة التوحيد وما يتعلق بها من الإلهيات: قطب رحى النجاة في الدارين، ومطلوب كل العقلاء، فموافقته لأقيسة العقل الصريح في أبواب العلم التجريبي الذي يتشدق به العلمانيون ثابتة من باب أولى، إذ قد كفى وشفى في أعظم مسألة حيرت العقول وتعلقت بها النفوس حتى تاهت في أودية التأله للشجر والحجر، وإن بلغت الغاية في صناعة المدنية التي صارت وبالا على أهلها لما خرجت عن حد الطريقة الشرعية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير