تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فإذا كان الوحي قد أتى بأصح خبر وأصرح قياس في العلم الإلهي، أفلا تكون موافقته للعلم التجريبي، أو بعبارة أصح: موافقة العلم التجريبي له، إذ هو المهيمن على ما سواه، أفلا يكون ذلك ثابتا من باب أولى؟!، ودلائل الإعجاز العلمي في الكتاب العزيز، وإن لم تكن هي المطلوب الأول، فالقرآن إنما نزل ابتداء لتقرير مسائل الإلهيات: أخبارا وأحكاما، أو وجه الإعجاز الرئيس، إذ إعجازه الأول لمن نزل عليهم، وهم أهل فصاحة وبلاغة، لا أهل طب وزراعة، فإعجازه الأول في لفظه ونظمه، دلائل الإعجاز العلمي في الكتاب العزيز: خير شاهد على موافقة صحيح المنقول وحيا لصريح المعقول بحثا، سواء أكان البحث عقليا محضا، فأساليب الجدال القرآني أشرف أنواع جنس الجدال، فعبارتها موجزة وحجتها مفحمة على حد قوله تعالى: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ)، أم كان تجريبيا، فأصول العلوم التجريبية، بل كثير من فروعها قد شهد له الوحي بنوعيه: الكتاب العزيز والسنة المطهرة، وأبحاث الفضلاء من أمثال الدكتور زغلول النجار، حفظه الله وسدده، خير شاهد على ذلك.

وأما تشدق أولئك بأن القرآن لم يحو كل شيء على طريقة: هات دليلا من القرآن على أن المضاد الحيوي سبب في علاج الالتهابات، وإن كان عند التحقيق سببا في تدمير الجهاز المناعي!، فهو عبث، إذ لم ينزل الكتاب العزيز ابتداء لتقرير تلك المسائل على حد التفصيل الممل، وإلا صار موسوعة طبية هندسية زراعية ............. إلخ، ففقد بذلك خصائص الإعجاز، بل فقد بذلك خصائص الدلالة على المطلوب في باب الإلهيات التي ما أنزلت الكتب إلا لبيانها فهي الفرض وغيرها النافلة، فالإطناب في تقريرها مراد لذاته، والإشارة إلى غيرها: إشارات كلية مجملة تدل على نوع المطلوب دون عينه مسألة مسألة: مراد لغيره، فهو من باب الدليل المعضد الذي يستشهد به في معرض الاحتجاج على أهل كل زمان بما عندهم من العلم التجريبي الذي تفرح به النفوس، وكأن غاية مراد الرب جل وعلا من عباده: صناعة الصواريخ الباليستية ومنظومات الردع النووية والجرثومية!. فتفصيل مثل تلك المسائل: خروج عن السياق الذي جاء التنزيل بتقريره وإقامة البرهان العقلي على صحته وبطلان مقالة مخالفه، وإغفالها بالكلية مظنة التهجم على الوحي واتهامه بالقصور في باب التجريبيات، التي اغتر بها من اغتر من بني آدم من لدن فلاسفة اليونان وإلى يومنا هذا، فجاء التنزيل بخير الأمور إذ أطنب في بيان العلم الأول: علم التوحيد، وأشار إلى بقية العلوم إشارات مجملة كلية.

يقول السيوطي، رحمه الله، في "الإتقان" في النوع الخامس والستين: "في العلوم المستنبطة من القرآن":

"قال الشافعي أيضاً: ليست تنزل بأحد في الدين نازلة إلا في كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها. فإن قيل: من الأحكام ما يثبت ابتداء بالسنة. قلنا: ذلك مأخوذ من كتاب الله في الحقيقة، لأن كتاب الله أوجب علينا إتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وفرض علينا الأخذ بقوله. وقال الشافعي مرة بمكة: سلوني عما شئتم أخبركم عنه في كتاب الله، فقيل له: ما تقول في المحرم يقتل الزنبور، فقال بسم الله الرحمن الرحيم: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا). وحدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير عن ربعي بن حراش عن حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر. وحدثنا سفيان عن مسعر بن كدام عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن عمر بن الخطاب أنه أمر بقتل المحرم الزنبور. (وتلك من استدلالات الشافعي، رحمه الله، البديعة على ما عهد منه من استدلال بديع وعبارة رشيقة)، وأخرج البخاري عن ابن مسعود أنه قال: (لعن الله الواشمات والمتوشمات والممتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله تعالى)، فبلغ ذلك امرأة من بني أسد فقالت له: إنه بلغني أنك لعنت كيت وكيت، فقال: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله، فقالت: لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه كما تقول، قال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه، أما قرأت: (وما أتاكم الرسول

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير