أما رابع هذه الشخصيات فهو شخصية داوود اليهودي. القادم من عصير الأساطير والخرافات ليثبت حقه في ارض فلسطين. فهو ينقب عن الآثار، ويبحث في الأرض، ويروي الخرافات ليثبت وجوده في فلسطين. وتمثل هذه الشخصية دور الشخصيات الدينية التي تستند على التوراة والأساطير لتثبت حقها في فلسطين. لكنه يتلقى ضربة على رأسه بعظمة كبيرة أخرجها والد ندى" أبو خليل" من جوف الأرض، وكأن أبو شاور أراد لهذه الشخصية أن تموت بعظمة مستخرجة من باطن الأرض كرد منها أن هذه الأرض ليست له، وأنها "تتكلم عربي".
المفارقة في رواية العشاق:
يحمل مصطلح المفارقة في طياته معانٍ عدة. كالسخرية، الغمز، الهزء، اللذع، والقبض على التناقض، الهجوم على المستقر الراكد، خرق السنن، قلب الدلالات، وأخيرا تجريد الخصم من المميزات بطريقة هزلية. وحين نعيد النظر في "العشاق" نجد أن مظاهر المفارقة بادية في كل شيء. في الشخصيات، في الموقف، وفي وصف الأحداث. وهذا ما يشيع روح السخرية في عروقها، وما يفتح من فكاهة سوداء ترفع من نبض النص الروائي، فتترك وراءها أسئلة وأسئلة قائمة في النفس بحثاً عن المعنى المقصود. ويقلب السرد عند أبو شاور ذلك النفس الفكاهي في الجمع بين النقائض حيناً، والانتقال المفاجئ بين حالتين لا تنتميان إلى حالة مزاجية واحدة أو وضع روحي واحد، أو من خلال الجمع بين الجدِّ والهزل، أو غير ذلك مما يصعب حصره إلا بمواجهة الرواية. وسأبدأ بأولى لوحات السخرية عند أبو شاور وهي:
1. السخرية في الشخصيات:
نلاحظ أن أبو شاور سلَّط السخرية على الشخصيات العميلة والجاسوسة في الرواية. وهذا ما يطمح إليه المبدع. الانتقام من شخصية الطاغية والمستبد بالضحكة السوداء التي توجه كالسهام إليه وتنتقص من قوته، بل وتذله أحياناً. وتثير الهزل والسخرية منه أمام الضعيف صاحب الحق. حتى يحقق التوازن السردي في الرواية. إنها مفارقة خفية تجعل الابتسامة تتسلل بخفةٍ إلى الأعماق لتخرج من بين الشفتين في لحظة، وتتركنا تنفجر بالضحك في لحظة أخرى. أمام موقف مبني على الحقد والكره لهذه الشخصية المنهزمة أمام نفسها وأمام محتلها، الذي جعل منها ألعوبة بين يديه. فتتبدد الضحكة السوداء وتنطلق كالسهم آخذة بثأر الضعيف الذي لا حول له ولا قوة.
نتوقف عند أولى هذه الشخصيات. وهي شخصية "أبو صالح". فأبو صالح الذي فتح كراج بيته مرتعاً للماسونية، وكبار الموظفين، ووكالة الغوث ودوائر الدولة في أريحا. وقدم نفسه رخيصة للمحتل ضد أبناء شعبه. لا يفهم بالسياسة، لكنه يجب أن يمثل الناس في البرلمان. علاوة على ذلك أنه ألثغ اللسان ينطق الكلام بطريقة مضحكة. وهنا نلاحظ أن أبو شاور جمع بين النقائض. فأبو صالح لا يفهم بالسياسة لكنه ماسوني (وهو حزب سياسي يرتكز على أسس دينية). ويجب أن يمثل الناس في البرلمان (وما يمثل البرلمان من عرض لمطالب الناس والدفاع عن حقوقهم) إلا أنه ألثغ اللسان ينطق الكلام بطريقة مضحكة. إذا، كيف سيمثل شعباً تحت قبة البرلمان وهو يحتاج إلى من يفسر له كلامه؟!
لكن وفر لنا أبو شاور هذا الجهد فهو الذي يقوم بهذه المهمة ففسر لنا كلامه بين قوسين بدل أن نقع في "حيص بيص"!
ـ يا ثمير (سمير)، اذهب واثرخ (اصرخ)، قل لهم: غداً إضراب، بأمر رئيث (رئيس) البلدية. ص14
ـ أطرق أبو صالح ثم رفع رأسه ببطء وقال ... آ، ثحيح (صحيح)، لا تذهب. ص15
ـ لقد أحرقتم الاقثى (الاقصى) ... انتثرتم (انتصرتم) في الحرب معلش، استوليتم على البلاد، ماشي الحال. لكن أن تحرقوا مثاجدنا (مساجدنا)
ـ قال أبو صالح: أنا اثكر (أسكر) وأيضاً أحب النثوان (النسوان) واقترف كل الموبقات، لكن لا اقبل الاعتداء على الدين.
قال أبو صالح: غدا إضراب يا حالكم عسكري ... ستحبس إذا حدث إضراب يا رئيس البلدية.
ـ الحبث (الحبس) للرجال يا حاكم عسكري.
ولا تقف السخرية من شخصيته المضحكة. كانت حملته الانتخابية كذلك:
"ففي كل يوم ومنذ الصباح، يدور سمير منادي البلدية والطلبة على جنبه والأولاد خلفه وهو يتأوه ويتحشرج ويلهث، والعرق يتصبب من كل جسده:
يا بو صالح عزك دام
يلبق لك البرلمان
¥