ثم يحل من إحرامه بالحلق أو التقصير، والحلق أفضل للرجال ويستوعب شعره كله بالحلق أو التقصير خروجا من الخلاف، وأما المرأة فتأخذ من ضفائرها قدر أنملة، ولذلك قد يقال بأن الأنسب للمرأة أن لا تكتفي بأخذ بضع شعرات من رأسها، كما هو مشاهد الآن بعد الانتهاء من السعي، فتنتظر إلى أن توافي محل إقامتها وتجمع شعرها كله وتأخذ منه قدر الأنملة ليصدق عليها بأنها عمت شعرها كله بالتقصير خروجا من الخلاف، كما تقدم، فتحل بذلك.
فإن تيسر لها ذلك بعد السعي مباشرة فلا إشكال وتكون قد حلت مباشرة دون أن تنتظر إلى حين رجوعها إلى محل إقامتها.
وفي نهاية الرحلة يطوف طواف الوداع ولا يجب عليه الإحرام بل يطوف بملابسه العادية.
ثم يتوجه إلى المدينة بنية شد الرحال إلى المسجد النبوي امتثالا لقوله صلى الله عليه وعلى آله سلم: (لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى)، فلا ينوي شد الرحال إلى قبره صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإنما يدخل نية الزيارة على النية الأولى إذا وصل إلى المسجد، فيصلي تحية المسجد، ثم يتوجه إلى قبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيستقبل القبر، ويسلم ويصلي على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ثم يسلم على أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، ثم يسلم على عمر، رضي الله عنه، فإذا أراد الدعاء فليستقبل القبلة.
ويصلي في الروضة من السنن ما استطاع لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "مَا بَيْنَ مِنْبَرِي وَبَيْتِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ". وأما الفرائض فيتحرى فيها الصفوف الأولى كبقية المساجد.
وتشرع الصلاة في مسجد قباء، فيتطهر في بيته، ثم يأتي مسجد قباء للصلاة فيه.
لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "صلاة في مسجد قباء كعمرة". رواه ابن ماجه والترمذي.
وقال عليه الصلاة والسلام: "من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه كان له كأجر عمرة". رواه أحمد وابن ماجه والنسائي.
قال ابن تيمية رحمه الله:
"وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْتِيَ مَسْجِدَ قباء وَيُصَلِّيَ فِيهِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ وَأَحْسَنَ الطُّهُورَ ثُمَّ أَتَى مَسْجِدَ قباء لَا يُرِيدُ إلَّا الصَّلَاةَ فِيهِ كَانَ لَهُ كَأَجْرِ عُمْرَةٍ}. رَوَاهُ أَحْمَد والنسائي وَابْنُ مَاجَهُ. وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِ قباء كَعُمْرَةِ} قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ". اهـ
وقوله عليه الصلاة والسلام: "ومن توضأ فأحسن الوضوء ثم دخل مسجد قباء فركع فيه أربع ركعات كان ذلك عدل رقبة".
أي: كان ثوابه كثواب من أعتق رقبة. رواه الطبراني.
وورد أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان يزور قباء يوم السبت ويركب له، وصارت تلك عادة أهل المدينة حيث يذهبون إلى مسجد قباء يوم السبت للصلاة فيه، حتى يومنا هذا. وقد أثنى الله تعالى على أهل قباء بقوله: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}.
والله أعلى وأعلم.