في يوم فرح وسرور وغبطة وحبور طلعت شمس هذا اليوم على المدينة النبوية وأرسلت أشعتها الذهبية التي تلألأ في الفضاء الواسع على بيوت المدينة وشوارعها وإذا بنا نسمع أصوات مرتفعة تخرج من أشرف بيوتات المدينة ألا هو أحد بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فماذا حدث؟ وما هو الخبر؟ لقد زف إلى رسول الله:=بشرى عظيمة يتمناها كل إنسان في حياته لقد ولد لرسول الله:=غلام وسيم قسيم يتلألأ وجهه نور وكان ذلك في شهر ذيي الحجة من السنة الثامنة للهجرة النبيوة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام
وفرح النبي:=بهذا المولود الحبيب وسماه على اسم سيدنا إبراهيم - عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم -
وبعد ذلك دفع النبي:=بالصبي إلى السيدة خولة بنت المنذر الأنصارية - رضي الله عنها - لكي ترضعه - وذلك على عادة العرب حينذاك - وهذه المرأة يقال لها أم سيف زوجة أبو سيف القين أي الحداد واسمه البراء بن أوس رضي الله عنه.
وكان النبي:=من حين لآخر يتفقد ابنه الحبيب ويقوم بزيارته من وقت لآخر هو وبعض أصحابه - رضوان الله عليهم جميعا -.
وفي يوم من الأيام قام النبي:=كعادته بزيارة ابنه الحبيب وكان بصحبته كوكبة طاهرة من الصحابة - رضي الله عنهم - .... وكان إبراهيم بن رسول الله:=قد مرض مرضا شديدا واخذ يعالج سكرات الموت ويجود بنفسه.
فأمر النبي:=أن يرفع إليه الصبي ورأى الحبيب المصطفى ما نزل بابنه الحبيب فتحركت فيه مشاعر الأبوة الحانية وهاجت في نفسه الشريفة مشاعرفاضت بالحب والشفقة والرحمة والرأفة على ابنه الحبيب وعندئذ بكى النبي:=وفاضت عيناه بالبكاء وعنده بكى أسامة بن زيد وصاح وارتفع صوته فنهاه النبي:=عن ذلك وكان ذلك يوم الثلاثاء لعشر ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة عشر وفي هذا اليوم كسفت الشمس.
- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: لما توفي ابن النبي:=صاح أسامة بن زيد فقال رسول الله:=: (ليس منا، ليس لصارخ حظ، القلب يحزن، والعين تدمع، ولا نقول ما يُغضِب الرب) صحيح ابن حبان
- عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: (دخلنا مع رسول الله:=على أبي سيف القين وكان ظئرا لإبراهيم فأخذ رسول الله:=ابنه إبراهيم فقبله وشمه ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله:=تذرفان فقال ابن عوف:
وأنت يارسول الله!
فقال: ((ياابن عوف - إنها رحمة)) ثم أتبعها بأخرى. فقال: ((إنّ العين تدمع، والقلب يخشع، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنّا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون))
ـ[صالح بن محمد]ــــــــ[26 - 01 - 2010, 11:15 م]ـ
بكاء النبي:=عند احتضار ابنته بين يديه
إن من أعظم ما يبتلى به المرء في حياته فقد الأحبة على وجه العموم والأولاد على وجه الخصوص ويكون الألم شديدا ووقعه على النفس ليس بالهين عندما ترى فلذة كبدك ومهجة فؤادك وريحانة عمرك ومحل نظرك ومستودع آمالك وهو بين يديك يحتضر ويجود بنفسه ويعالج سكرات الموت وكرباته وأنت ليس لك حول ولا قوة فلا تستطيع أن تجلب له الشفاء أو تدفع عنه الضر الذي نزل به فهنا وفي تلك اللحظات الحرجة يظهر الإيمان الحقيقي بقضاء الله وقدره والصبر الجميل الذي لا شكوى فيه ولا تسخط والاستسلام لما أراده الله وقدّره دون أدنى جزع في النفس.
نعم إنما الصبر عند الصدمة الأولى.
وفي لحظة من لحظات الابتلاء التي مر بها رسول الله:=وهي كثيرة - وبنت له في النزع الأخير وهي تعالج سكرات الموت بكب مرارتها وشدتها ورسول الله:=يأخذ ابنته هذه وهي في تلك الحال ويضعها بين يديه الشريفتين ويضمها إلى صدره الذي وسع الدنيا كلها ويطبع على جبينها الأغر قبلة الوداع الدنيوي وتسيل الدموع حارة من عينيه وفاضت الروح إلى بارئها ورسول الله:=كله رضى بما قدره الله وكيف لا وهو الأسوة والقدوة في كل شيء واكتسى الجو المحيط بهدوء رهيب وسكون عظيم وفجأة قُطع هذا السكون بصوت بكاء أم أيمن بركة مولاة رسول الله:=لما رأته من حال بنت رسول الله:=وهي تصارع الموت ولما رأته من بكاء رسول الله:=فقال لها رسول الله:=معاتبا: (يا أم أيمن أتبكين ورسول الله عندك؟)
فقالت أم أيمن: ومالي لا أبكي وأنت تبكي يارسول الله!
فقال رسول الله:=: (إني لست أبكي ولكنها رحمة)
ولندع - أخي القاريء- سيدنا عبدالله بن عباس يقص علينا خبر تلك اللحظات الساخنه في حياة المصطفى:=
= عن ابن عباس - رضي الله عنهما- قال: لما حُضرت بنت لرسول الله:= أخذها رسول الله:=فاحتضنها وضمها إلى صدره. ثم وضعها بين يديه وفي رواية النسائي ثم وضع يده عليها فقضت - وفي رواية للترمذي - فماتت وهي بين يدي رسول الله:=فبكت أم أيمن - وفي رواية للترمذي - فصاحت أم أيمن فقال لها رسول الله:= (أتبكين ورسول الله عندك؟) فقالت: مالي لا أبكي ورسول الله:=يبكي؟ .. قال: ((إني لست أبكي إنما هي رحمة إن المؤمن بكل خير على كل حال إن نفسه تنزع من بين جنبيه وهو يحمد الله - عز وجل -)) رواه أحمد والترمذي والنسائي وغيرهم