تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من سويسرا]

ـ[مهاجر]ــــــــ[04 - 12 - 2009, 08:58 ص]ـ

من سويسرا جاءت نتيجة استفتاء منع المآذن بنسبة تفوق: 57 % في دولة لا ثقل سياسي لها، فلو أجري ذلك الاستفتاء في دولة من دول المحور الغربي المناهض للحضارة الإسلامية ما كان مستغربا، ولكنه جاء في دولة تدعي التزام الحياد الكامل في كل القضايا الدولية فلا يكاد أحد يسمع ذكرها إلا عند ذكر المنتجات ذات الطابع الكمالي كالساعات فضلا عن كونها خزانة عالمية تودع فيها النقود طاهرة كانت أو قذرة!.

ثم جاءت هولندا ليطالب بعض نواب برلمانها، النائب المشاغب إياه الذي يشغب على الإسلام ومظاهره كالمآذن والنقاب فضلا عن إنتاجه لفيلم "فتنة" في لمز وضيع للكتاب العزيز، ليطالب هو الآخر بالسير على خطى سويسرا.

وعموما فإن سنة التدافع الكونية قاضية بذلك، فأوروبا التي كانت تغض الطرف عن كثير من المظاهر الإسلامية وقد صارت بعلمانيتها المضادة لكل الأديان على حد سواء ملاذا لكثير من المسلمين الذين اضطهدتهم علمانية الشرق المضادة للإسلام فقط، كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين، أوروبا التي هذا وصفها لم تعد تحتمل النمو الإسلامي المطرد الذي خرج عن نطاق السيطرة فبدأ يهدد التركيبة السكانية ذات الغالبية النصرانية، وإن كانت علمانية في مجملها، إلا أنها قد ورثت عداء الإسلام من الكنيسة، وإن لم ترث منها دينا أو خلقا، وهذا ما توقعه بعض الفضلاء المعاصرين في معرض نقده للحريات الدينية في الغرب فهي حريات حقيقية ولكنها محدودة بنسب معينة لا تتعداها وإلا تمت تصفيتها أو التضييق عليها كما هو الحال الآن.

فخداع البصر يكون لو فرض أن حريات أوروبا على سبيل المثال: 10 %، في مقابل: 1 % أو ربما أقل في بعض الدول الإسلامية فيظن الناظر أن الحريات في أوروبا مهولة فهي عشرة أضعافٍ أو يزيد مع أنها في حقيقتها ضئيلة وإنما بدت كبيرة نسبيا حال مقارنتها بحال كثير من بلاد المسلمين، بل إن بلاد المسلمين هي الأخرى تتفاضل فيما بينها فبعضها قد اتسع فيه نطاق حرية التدين وبعضها قد ضاق فيه أو انعدم فيكون الأول بالنسبة له عظيم القدر مع أن الغالب في هذا الباب في سائر دول الإسلام أنه دون المستوى، ولكن الأمر كما تقدم نسبي، وبقدر القرب من النبوات يكون المجتمع آمن وأصلح كما سبقت الإشارة إلى ذلك في مواضع أخر.

وقيم أوروبا تدافع الآن قيم الإسلام تأويلا لقوله تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ)، فقيم الكنائس المهجورة تدافع قيم المساجد المعمورة، وقيم التعري الذي كافحت المرأة الأوروبية لنيلها تكافح قيم التستر الذي شرعته سائر الديانات بما فيها الديانة التي تنتسب إليها أوروبا، وأحزاب الشمال الإيطالي اليمينية المتطرفة تطالب بوضع الصليب على العلم الإيطالي استنقاذا للهوية النصرانية لمعقل الكاثوليكية من براثن المد الإسلامي، والقوم معذورون من جهات:

من جهة دفاعهم كأي أمة عن منظومة قيمها ولو كانت في غاية الفساد فلا يتصور أن يستسلم الغربي النصراني للشرقي المسلم وهو الذي ناصبه العداء وغزا أرضه من لدن الحملات الصليبية الغابرة إلى الحملات الصليبية الحالية التي امتازت بالتنوع والتخطيط الذي افتقدته الحملات الأولى، مع ما علم من اعتزاز الأوروبي بجنسه واعتقاده كأي متعصب محجوب عن ميزان: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)، فهو ميزان التفاضل المعتبر، اعتقاده أنه مركز الكون، فكيف يخضع لمقررات دين الإسلام الذي تنتحله للأسف أمة قد صارت فتنة لنفسها ولغيرها من الأمم بما تعانيه من انفصام في شخصيتها الإسلامية والواقعية، فالإسلام في أعلى درجات التحضر الإنساني، وهي في دركة سفلى من دركات التخلف المعنوي الإنساني والمادي التكنولوجي ففتنتها، كما تقدم، مزدوجة: في نفسها وفي غيرها.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير