[اختراق الآفاق في أحوال المحبين والعشاق]
ـ[أبو سارة]ــــــــ[15 - 12 - 2009, 06:14 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا ضحضاح من كلام، وومضات من نقل و رأي، لا أزعم الصحة والجزم فيما وسمت، ولا أتوقع أن يوافقني غيري على كثير مما ذهبت إليه، لأن قبول الأنفس للأشياء محكومة بظرف الوقت، فدورة الأيام، واختلاف الفصول ومراحل العمر، كلها حركات لاتخلو من تبعات تتذبذب بين القبول والرفض والسلب والإيجاب، وهي بجملتها ظاهرة لا يمكن أن يكون القياس فيها مطرد لآن نتيجة الحكم تختلف من حال إلى حال و لا يمكن رد حكم الجزء على الكل لأن الأجزاء متباينة كم أسلفنا، ويكفينا من القلادة ما أحاط بالعنق.
نأخذ من هذا الموضوع قدر السكر والملح في الطعام رغم تباينهما وتناقضهما على الأذواق، وقد عجبت من عمل الشاي والقهوة العربية، فالشاي مر في أصله، يضاف إليه السكر لتخفيف المرارة، والقهوة مرة يضاف لها الهيل لطمس رائحة المرارة،فالأول بالتذوق والآخر بالشم وكلاهما من الحواس الخمس.
المعروف في المشاعر والأحاسيس الإنسانية أنها طالما استعصت على حذاق الوصف في حدها ومنعها، وكم حاول الشعراء استنطاقها وكسر صمت خفائها بمعان يستخرجونها بإظهار مكنون الألفاظ ودقة الوصف لتقريبها إلى السُّمّاع والقراء، ورغم الإعجاب الكبير الذي تتمتع به تلك الكتابات والأشعار إلا أن القول بأنها أتت بكل شيء إنما هو ضرب من المحال، لكنه يؤخذ على أنه من قبيل معرفة الجزء المعبر عن الكل.
وهذا موضوع كتبته عن تجربة وقرب اطلاع لأحوال ندت عن تصور كثيرين، سأحاول أن أكسر به حصن إجماع الرفض بخبر الواحد، أكتبه لعين طالما طرفت في غياهب البحث عن موضوع مماثل، ربما أتبع هوى نفسي بسبب تأثيرها عليّ في الكثير من الحركة والسكون فيما مضى وانتصر لرأيي دون نظر إلى ألم المخالف، وكما يقولون:قلب الجاهل وراء لسانه، ولسان العاقل وراء قلبه، ويقال أيضا: اللفظ من الطبيعة والمعنى من العقل.
يروى أن الوزير المزدقاني خرج في نزهة، فرأى امرأة في قصر وأعجبته، فحصلت بينهما إشارات تدل على القبول بين الطرفين، ثم أهدت له تفاحة فيها زِرُّ من ذهب ولم تكلمه بشيء، فلم يفطن ومن حضره للمعنى، فقال له ابنه أحمد: قد فهمت ما أرادت، ونظم المعنى في بيتين وأنشد:
أهدت لك العنبر في جوفه ... زِرٌّ من التبر خفيّ اللحام
فالزر في العنبر معناهما ... زر هكذا، مختلفا في الظلام.
مع الاعتذار لمشرفنا في شبكة الفصيح الأستاذ (هكذا)!
يقول الشاعر:
قد كنت أسمع بالمحب وشجوه ... فأظل منه عاجبا أتفكر
حتى ابتليت من الهوى بعظيمة ... ظل الفؤاد من الهوى يتفطر
والحب من المحبة والمودة، وحبة القلب ثمرته،والعشق اسم لما فضل عن المحبة، وقيل: العشق مرض قلبٍ ضعف.
قال ابن فارس: العشق: الإغرام بالنساء، والعشق: الإفراط في المحبة.
وأول مراتب الحب هو الهوى، وينتهي بالهيام، لأن صاحبه يهيم على وجهه لايدري إلى أين هو ذاهب، وقد فصل الثعالبي مراحل الحب في كتابه: فقه اللغة لمن أراد الاستزادة.
وإذا كان هناك في الناس من يرفض التحدث في هذا الموضوع لهوى في نفسه، فإن هناك من يرغب التطويل والتهويل، والإنصاف إنما هو الاعتدال بين الأمرين، وقد بلغ بأحد الشعراء أن قال معبرا عن وجهة نظره التي وأد بها رأي مخالفيه:
إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى ** فقم واعتلف تبنا فأنت حمار
لكننا نقبل من يرفض بمنطقية من الفهم، كمفهوم قول الشاعر:
تولى الجهل وانقطع العتابُ ** ولاح الشيب وافتضح الخضاب
لقد أبغضت نفسي في مشيبي **فكيف تحبني الخود الكعاب؟
وهذا عاشق شجاع يعبر عن آفاق من الاشتياق:
أُحِبُّ مِنْ حُبِّكُمْ مَنْ كَانَ يُشْبِهُكُمْ ... حَتَّى لَقَدْ كِدْتُ أَهْوَى الشَّمْسَ والقَمَرَا
أَمُرُّ بِالحَجَرِ القَاسِي فَأَلْثُمُهُ ... لأَنّ قَلبَك قَاسٍ يُشْبِهُ الحَجَرَا
ويقول الشاعرعمر بن أبي ربيعة:
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ... فصادف قلباً فارغاً فتمكّنا
قال بعض السلف: العشق حركة القلب الفارغ، يعنى فارغا مما سوى معشوقه.
وعليه تفسير قوله تعالى: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً).
¥