تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من صدر سورة الإخلاص]

ـ[مهاجر]ــــــــ[03 - 01 - 2010, 09:26 ص]ـ

صدر السياق في سورة الإخلاص بوصف الأحدية الذاتية والصمدية فهي مئنة من الغنى، فإن من لا جوف له، وهو أشهر معاني الصمد في لسان العرب، لا يفتقر إلى ما يملؤه، ولا يتصور في حقه ما يستفرغ به الجوف كما هو حال المخلوق الذي يفتقر إلى ما يملأ به جوفه، فإذا تغير بملابسة أخلاط البدن من القوى الهاضمة افتقر طاعمه بعد استخلاص فائدته إلى إخراج ما فسد منه وتغير فهو من الأذى الذي يضر البدن إن لم تدفعه آلات الاستفراغ، وتلك معان يظهر بها كمال وصف الرب، جل وعلا، المنزه عن ذلك النقص، بداهة، بإزاء المخلوق الذي ركبت فيه تلك الغرائز جبلة لا تنفك عنه، فالفقر وصف ذاتي ملازم له، كما أن الغنى وصف ذاتي غير معلل للرب، جل وعلا، فغنى المخلوق بأسبابه، بخلاف غنى الخالق، عز وجل، فهو ذاتي لا ينفك عنه ولا يرد عليه باكتساب سببه فلم يكن جل وعلا مفتقرا إلى سبب ثم صار غنيا باكتسابه، فذلك حال المخلوق الذي يبدأ ناقصا فيكمل باكتساب أسباب الكمال، ففعله بالاكتساب ذريعته إلى تحصيل الكمال مع كونه مقيدا فلا ينفك عن نقص قبل المباشرة وأثناءها وبعدها، فالطاعم مفتقر إلى الطعام قبل تناوله، مفتقر إليه حال مباشرة الفعل مع كونه شهوة يلتذ بها، فافتقاره إلى تحصيل تلك اللذة نقص في حد ذاته وإن كانت مباشرته لها كمالا من وجه آخر فهي مئنة من كمال آلاته فينتفع بالسبب الذي يرد على الآلات السليمة فتنتج من ذلك لذة في الحس، وقوة في البدن، فإذا فسدت الآلات بما يعتريها من أخلاط وأسباب للمرض والعطب صار المحل غير قابل لما يرد عليه من الأسباب فضعفت قوة الروح فيه إذ لا قرار للروح اللطيف في موضع قد كثف وغلظ بما اعتراه من أخلاط بمقتضى القضاء الكوني القاهر، فذلك معنى من معاني اسمه القهار فهو، تبارك وتعالى، قد قهر الأبدان بالابتلاء، ليظهر كماله بإزاء نقصها، فذلك وصف جلاله الذي لا يظهر إلا بمعاينة أوصاف خلقه المقهور بما يعتريه من أقضية الرب، جل وعلا، الكونية، وهو مع ذلك، تبارك وتعالى، له من أوصاف الجمال ما يجبر به عباده فهو رحمن في الدنيا، رحيم في الآخرة، لا يبتلي ليعذب، وإنما يبتلي ليطهر المبتلى ويذكر المعافى، فلكل عبودية تناسبه، فللمبتلى عبودية الصبر، ولا يكون صبر إلا بمباشرة أسبابه في أزمنة العافية، وتأمل حال بعض المبتلين من الأطفال وقصصهم قد صار مضرب المثل في الجلد، ولعل منها قصة الزهرة براءة التي نقلتها إحدى الأخوات الكريمات على صفحات المنتدى من أيام مضت، فيحار الناظر في شأنهم: ويحكم من أين لكم هذا الصبر؟!، وقد عجز عنه فحول الرجال فلو أصابه معشار ما أصابكم لانهدت أركانه وانحلت عرى عزائمه وضل في فلاة اليأس والجزع، وإذا تأملت ما نشأ أولئك الأفاضل عليه من كمال الديانة والصيانة في دور يرجوا أهلها لله وقارا، فهم من أهل: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)، فأفادتهم تقوى كانت زادهم في بلائهم، فانقلبت المحنة منحة، وصار الابتلاء بمباشرة أسباب الصبر زادا تزودوا به في طريق الهجرة إلى الرب، تبارك وتعالى، فجمع الشمل بعد الفراق، وعافى بعد الابتلاء، وأنزلهم منازلهم التي اصطفاهم لها وما كان لهم أن يبلغوها إلا بمباشرة ذلك البلاء صبرا بل رضا فكأنهم يتلذذون بالآلام!، وليس الأمر مما يجدي فيه كبير مقال، فهو مقام الفعالين بمباشرة الأسباب لا القوالين بحدها تعريفا وتشقيقا، وإن كان ذلك نافعا لحصول كمال التصور قبل العمل، ولكن التصور لا يحدث الأثر إلا إذا باشر صاحبه العمل، فجاء مصدقا لما بين يديه من العلم، فأثمر في النفس والغير، ثمرة الصلاح والإصلاح، وأولئك قوم تراهم فتحسدهم على ما هم فيه من اللذة النفسانية باصطفاء رب البرية، جل وعلا، الذي اختارهم على علم على العالمين، فآتاهم من الصبر واليقين ما بلغوا به مرتبة الاقتداء في الدين، فإذا نظرت إلى لذة أرواحهم وإن اقترنت بآلام أبدانهم، غبطتهم، بل ربما تمنيت أن تكون مكانهم، فذلك داعي الرحمة، فإن ورد وارد الشرع، توقف الفكر عن الاسترسال، فالشرع يلجم الخواطر النفسانية بلجام الأحكام الشرعية، فواجب الوقت في ذلك الموضع أن

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير