تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من حديث الافتراق]

ـ[مهاجر]ــــــــ[06 - 01 - 2010, 09:21 ص]ـ

ونصه: "افْتَرَقَتْ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَتَفَرَّقَتْ النَّصَارَى عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً"، فالإخبار في الحديث هو إخبار عن أمر كوني نافذ لا أمر شرعي، فليس الاختلاف بمراد شرعا، وإنما هو واقع كونا، وعليه حمل قوله تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)، فللرحمة خلقهم فتلك إرادته الشرعية بهم، فخلقهم ليرحمهم ببعث الرسل، عليهم السلام، وإنزال الكتب وسن الشرائع التي يكون بها صلاح الأولى والآخرة، أو يقال بأن تلك إرادته الشرعية التي خاطب بها كل المكلفين على سبيل التكليف الشرعي، ولكنه من جهة الأمر الكوني النافذ حكم باختلافهم في الأصول والفروع خلافا قد يكون سائغا إن كان في فرع علمي أو عملي، أو غير سائغ ينكر على المخالف فيه، على تفصيل في مسألة الإنكار، فلها فقه كبير، ولها ضوابط محكمة لئلا يتولد منها شر يفوق خير السعي في إزالة المنكر، فالخلاف شر، كما أثر عن ابن مسعود، رضي الله عنه، فليس أمرا مرادا كما يزعم من يستدل بهذه الآية على تسويغ الخلاف ولو غير سائغ فيوسع الدائرة لتعم أهل الحق وأهل الباطل من أصحاب الأهواء والمقالات الردية، بل ربما وسعها من وسعها باسم التقريب، لتعم عباد الرحمن، وعباد الصلبان ....... إلخ، على حد ما نرى في مؤتمرات تخريب عقائد المسلمين إما برسم التقريب بين المذاهب بتمييع الخلاف بينها وإيهام الناظر فيه أنه محض اختلاف في الفروع العملية دون الأصول العلمية، وقد رأينا طرفا من هذا الخلاف الفرعي في أرض الرافدين، فسفكت الدماء بأبشع السائل على حد التفنن في التمثيل بالمغدورين ولو كانوا نساء أو أطفالا، مع أن الخلاف كما يزعم أصحاب نظريات الوحدة، ولو كان في القلوب ما فيها من الفساد، خلاف سائغ! تستحل به الحرمات فكيف لو كان غير سائغ في قياسهم؟!. ومن مقتل عثمان، رضي الله عنه، وخروج أصحاب المقالات عقيب ذلك تأويلا لسنة الافتراق الكونية التي جرت على هذه الأمة كما جرت على سائر الأمم، من ذلك الحين إلى يومنا هذا، لم يلتئم شمل الأمة، وإن كان الافتراق فيها أهون من الافتراق في الأمم التي سبقتها فإن الأمم السابقة، ومنها أمة يهود، قد اختلفت على نحو ضاع فيه الحق بين طوائفها، فبدل الكتاب الذي يرجع إليه عند وقوع النزاع، على حد ما قد علم من حال كتب اليهود والنصارى عديمة الإسناد ركيكة المتن بما أضافه إليها أحبار وقساوسة السوء حفظا لرياساتهم ولو بإضلال أتباعهم، بينما الاختلاف في هذه الأمة لم يضع معه الأصل الذي يرجع إليه عند التنازع، بل السواد الأعظم على الأصل الأول إجمالا، فأهل البدع شرذمة، حتى لو كان لهم السلطان، كما كان الحال زمن الإمام أحمد رحمه الله، فقد كانت الدولة للمعتزلة لما استمالوا المأمون العباسي، غفر الله له، وكان جمهور الأمة على عقيدة الإمام أحمد التي صارت علما على مقالة أهل الحق بعد ذلك، فكتب الله، عز وجل، لها الظهور، وإن كانت هي عقيدة الأئمة من قبله، ولكن أحمد، رحمه الله، كان المظهر لها فنسبت إليه نسبة إظهار لا نسبة اختصاص عن بقية الأئمة، فهي عقيدة الشافعي ومالك وأبي حنيفة، كما أشار إلى ذلك ابن تيمية، رحمه الله، في "منهاج السنة" بقوله: "وأحمد وغيره من علماء أهل السنة والحديث ما زالوا يعرفون فساد مذهب الروافض والخوارج والقدرية والجهمية والمرجئة ولكن بسبب المحنة كثر الكلام ورفع الله قدر هذا الإمام فصار إماما من أئمة السنة وعلما من أعلامها لقيامه بإعلامها وإظهارها واطلاعه على نصوصها وآثارها وبيانه لخفي أسرارها لا لأنه أحدث مقالة أو ابتدع رأيا.

ولهذا قال بعض شيوخ المغرب: المذهب لمالك والشافعي والظهور لأحمد يعني أن مذاهب الأئمة في الأصول مذهب واحد وهو كما قال". اهـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير