تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[سلمان بن أبي بكر]ــــــــ[02 - 12 - 2010, 01:31 ص]ـ

المشكلةُ هي قناعةُ الشخصِ بالمستوى الذي هو فيه، فإذا اقتنعَ بذلِكَ فاعلمْ أنَّ هذِهِ هي أولُ خُطوةٍ في الانحدارِ.

فهذا عبدُ الله بنُ مسعودٍ -رضي الله عنه- يقولُ عنه شَقِيقُ بنُ عبدِ الله: مَرِضَ عبدُ الله بنُ مسعودٍ فعُدْنَاه، فجعلَ يَبْكِى،

فَعُوتِبَ، فقال: إنَّي لا أبكى لأجْلِ المرضِ فإنَّي سمعتُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- يقول: المرضُ كَفَّارةٌ، وإنَّما أبكى

أنَّه أصَابَني على حالِ فَتْرَةٍ، ولم يُصِبْني في حالِ اجتهادٍ، فإنَّه يُكْتَبُ للعبدِ مِنْ الأجرِ إذا مَرِضَ ما كانَ يُكْتَبُ له قَبْلَ أنْ

يَمْرَضَ فمَنَعَه مِنْهُ المَرَضُ.

والإمامُ الطبريُّ جَلَسَ أربعين سنةً، وهو يَكْتُبُ كُلَّ يومٍ أربعين ورقةً في التأليفِ.

وابنُ الأَثِيرِ أَلَّفَ كُتُبَهُ الرائعةَ كـ (جامع الأصول)، و (النهاية في غريب الحديث) بسبَبِ أنَّهُ مُقْعَدٌ.

وابنُ القَيِّمِ كَتَبَ زَادَ المَعَادِ وهو مُسافرٌ.

والقُرْطُبيُّ شَرَحَ صَحِيحَ مُسْلِمٍ وهو على ظَهْرِ سَفِينَةٍ.

وشيخُ الإسلامِ ابنُ تَيمِيَةَ -رحمه الله- جُلُّ فتَاويه كتبَها وهو في السِّجْنِ.

وابنُ الجَوزىِّ يَتحدثُ عن نفسِهِ ويقول: "نظرتُ إلى عُلُو الهمَّةِ فرأيتُها عجبًا، وذلك أنَّني أَرُومُ الليلَ كُلَّ العُلُومِ، وهذا أمرٌ

يَعْجَزُ العُمُرُ عَنْ بعضِهِ، وأرومُ نهايةَ العملَ بالعلمِ، مع مُطَالَعَةِ التَّصَانيفِ وإفادةِ الخَلْقِ، وأرومُ الغِنى عَنْ الخَلْقِ،

والاشتغالِ بالعلمِ مانِعٌ من الكَسْبِ، وها أنا ذا احفظُ أنفاسي منْ أنْ يَضيعَ منِّها نَفَسٌ في غيرِ فائدةٍ".

والإمامُ النوويُّ -رحمه الله- وصفَ حياتَهُ لتلميذِهِ ابنِ العَطَّارِ، فذكرَ لَهُ أنَّه كانَ يَقرأُ كُلَّ يومٍ اثنا عَشَرَ درسًا على مشايخِهِ

شرحًا وتصحيحًا: درسين في (الوسيط) , ودرسًا في (المهذب) , ودرسا في صحيحِ مُسلمٍ ,ودرسا في (اللمع) , ودرسا

في (إصلاح المنطق) , ودرسا في التصريف, ودرسا في أصول الفقه, ودرسا في أسماء الرجال, ودرسا في أصول

الدين, قالَ وكنتُ اعلِّقُ على جميعِ ما يَتعلقُ بها من شرحٍ مُشْكَلٍ، ووُضُوحِ عِبَارةٍ، وضَبْطِ لُغَةٍ، وبارك الله تعالى في

وقتي.

وهذا عبدُ الله بنُ المُبَارَك نورُ مروٍ وجمالهُا، ونجمُها وهلالهُا, يقول عنه محمدُ بنُ أَعينَ -وكانَ صاحبَهَ في أسفارِهِ-: "كانَ

ذاتُ لَيلةٍ ونحنُ في غَزَاةِ الرُومِ ذهبَ لِيَضَعَ رأسَهُ لِيُرِيَني أنَّه يَنامُ، فقمتُ أنا برُمْحِي في يدي قَبضتُ عليه ووضعتُ

رأسي على الرُّمْحِ كأنِّي أنامُ كذلك, قالَ فَظَنَّ أنِّى قدْ نِمْتُ فقامَ فأخذَ في صلاتِهِ، فلم يَزلْ كذلك حتى طَلَعَ الفَجْرُ وأنا

ارْمُقُهُ, فلمَّا طلعَ الفجُر أَيقَظَنِي وظنَّ أنِّى نائمٌ، فقالَ يا محمدُ, فقلتُ إنِّي لم أنمْ، قال: فلمَّا سمعها منى ما رأيتُهُ بعدَ

ذلك يُكلِّمُني، ولا يَنْبَسِطُ إليَّ في شيء من غَزَاتِهِ كلِّها كأنَّه لم يُعْجِبْهُ ذلك منى لَمَّا فَطنتُ له العَمَلَ، فلم أزلْ أعرفُها

فيِهِ حتى ماتَ، ولم أرَ رجلا أَسَرُّ بالخيرِ مِنْهُ.

وعن القاسمِ بنِ مُحمدٌ، قال: كُنَّا نُسَافِرُ مع ابنِ المُبَارَكِ فكثيرًا ما كانَ يَخْطُرُ بِبَالي فأقولُ في نفسي: بأيِّ شيءٍ فُضِّلَ

هذا الرجلُ علينا، حتى اشْتَهَرَ في النَّاسِ هذِهِ الشُّهْرةَ؟ إنْ كانَ يُصَلى إنَّا لَنُصَلي, وإنْ كانَ يَصُومُ إنَّا لَنَصُومُ, وإنْ كانَ

يَغزُو فإنَّا لَنَغْزُو ,وإنْ كانَ يَحُجُّ إنَّا لَنَحُجُّ، قالَ فكنَّا في بعضِ مَسِيرِنا في طريقِ الشَّامِ، فتعشى ليلةً في بيتٍ إذ طُفِىء

السِّرَاجُ، فقامَ بعضُنا فأخذَ السِّراجَ وأخذَ يَستطلِعُ، فمكثَ هُنَيَّةً ثُمِّ جاءَ بالسِّراجِ، فنظرتُ إلى وجهِ ابنِ المُباركِ ولحيَتُهُ قدْ

ابْتَلَّتْ من الدُّموعِ، فقلتُ في نفسي بهذِهِ الخشَّيةِ فُضِّلَ هذا الرجلُ علينا, ولعله حين فُقِدَ السِّراجُ وصارَ إلى ظلمةٍ ذكرَ

القِيَّامةَ".

وكانَ عَلى بنُ الحُسين يَحملُ جِرابَ الخُبزِ على ظهرِهِ بالليل ويتصدقُ به ويقولُ: "إنَّ صدقةَ السِّرِ تُطفىء غضبَ الربِّ".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير