ضم المعلومات في بطاقات صغيرة، ويضع لها عناوين كبرى عامة، ثم عناوين صغرى، أو أن يكتب على أوراق كبيرة يضمها تبعاً الأبواب والفصول؛ كلٌّ حسب فهمه وإدراكه واستعداده.
و ـ إحكام النظر في المادة العلمية، و صياغتها، وترتيبها:
بعد جمع المادة، وتوثيق ما جمعه، لا بد له من طول النظر فيه وتجوال الفكر على صفحاته، وتقليب الرأي في جنباته، ويدون مع كل فكرة ما يستنبطه، وغلى جانب كل قول ما يستفيده.
ثم يبدأ بصوغ مادته المتوفرة، ويبينها بالكيفية التي تحلو له.
ويتوجب عليه أن يراعي عرض الفكرة الواردة، حسب الأقدم فالقدم، ممن تعرض لها أو طرحها، من نشأتها إلى نموها واتساعها، إلى بلوغها غايتها وإحكامها، على ما اعتراها من معارضة أو مناقضة، أو تأييد أو موافقة، وما لحق بها من تفسير وتعليل، وبيان وتفصيل، مقدما في ذلك أصل المسألة من آي القرآن، وصحيح السنة النبوية، قال الإمام النووي: (فلهذا لا أترك قولا، ولا وجها، و نقلا، ولو
كان ضعيفا أ و واهيا؛ إلا ذكرته إذا وجدته إن شاء الله تعالى، مع بيان رجحان ما كان راجحا، وتضعيف ما كان ضعيفا .. ).
ويجب عند نقل فكرة عن مصنف أن يستوعبها كلها، ويدرك قائلها من ناقلها، وصاحبها من منتحلها.
ويعرض لتفسير الآية والحديث من مصادرها المعتمدة، حسب الأقوى فالأقوى، أو حسب ما يراه موصلا للهدف. وفائدة طريقة تقديم الأقدم والأقوى:
تبيين مدى تطور الأفكار، أقدار أهل العلم ومراتبهم منه، إدراك أثر الزمان والمكان، بيان موضع الخلل والنقص في الفكرة؛ ومَن تممّها أو عدَّلها أو أصلحها، إظهار قيمة عمله هو، وأهمية تصنيفه ومدى الحاجة إليه.
ز ـ الأمانة في نقل الأفكار وعزوها:
وذلك بنسبة الأقوال والأفكار إلى أصحابها، دون أدنى غضاضة من صغير وكبير، من مسلم أو كافر من برٍّ أو فاجر، من متقدم أو متأخر.
ولقد ضرب علماء المسلمين الأقدمون المثل الأعلى في الأمانة العلمية؛ لأن القرآن الكريم أرسى ذلك، فقد ذكر القرآن عقائد الملل الضالة كما هي ـ بما فيها ـ وردَّ عليها وفندها.
وانظر إلى كتب الأشعري و الباقلاني والفخر الرازي، والغزالي وابن تيمية وابن القيم، الشافعي و الطحاوي والبغدادي، وغيرهم، لتجد هذه النماذج القمم في الصدق والأمانة، واستيعاب الفكرة ولو كانت ضالة؛ لبيان وجه الضلال فيها، وما ذاك إلا ليرفعوا الحرج عن الأمة في الحوار والمناظرة، وليوفُّوا قبل ذلك الأمانة حقها.
ويجب علينا أن تكون على حذر شديد من المعاصرين ممن يعبث بالنصوص نقلا وبتراً، وحذفا لما لا يعجبه، أو يتعارض مع أهوائه وتوجيهاته أو يأتي على حججه ودعاواه بالهدم والسقوط بذلك في بعض كتب التراث التي يخرجونها.
وقد وجدنا بعضهم يقحم رأيه الفاسد، وفكره الخاسر الكاسد، في نصوص لها قيمة ووزن، دون تمييز أو إشارة على أنه من المحقق أو الناشر أو الطابع،ادعاءً منه للفهم، والاجتهاد العلمي العظيم؟!
قال الإمام السبكي: (وقد وصل حال بعض المجسمة في زماننا على أن كَتَبَ شرح صحيح مسلم للشيخ محيي الدين النووي، وحذَفَ من كلام النووي ما تكلم به على أحاديث الصفات ـ فإن النووي
أشعري العقيدة ـ فلم تحمل قوى هذا الكاتب أن يكتب الكتاب على الوضع الذي صنفه مصنفُه. وهذا عندي من كبائر الذنوب ن فإنه تحريفه للشريعة وفتح باب لا يؤمن معه بكتب الناس، وما في أيديهم من المصنفات، فقبح الله فاعله وأخزاه، وقد كان في غنية عن كتابة هذا الشرح، وكان الشرح في غنية عنه).
ولا بد من التأكيد على أن نقل قول السابق إن أخذه بلفظه تعين العزو لصاحبه، وكذا إن أخذه بالمعنى المحاذي للفظ من غير زيادة عليه، بالإشارة لوجه النقل؛ وإلا كان الناقل مدلِّساً.
ح ـ الفهم الصحيح للنصوص، وتحديد مدلولاتها:
وذلك بالالتزام بضوابط الفهم الصحيح للنصوص، وتحديد مدلولاته على هدي هذه الضوابط، وهي القضية التي نسميها اليوم الموضوعية و النزاهة والإخلاص في فهم مراد كلام الله تعالى وفهم كلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وإن الفهم الحق لمراد الشارع، إضافة إلى كونه واجبا دينيا، فإن نتيجته هي صمام الأمان للحياة الإنسانية، وسر السعادة البشرية.
¥