الحالة الثانية: إذا كانت الزوجة تطلب أن تكون بجوار أهلها وكان الزوج لا مشقة عليه ولا ضرر من جهة والديها فالأفضل والأكمل أن يستجيب لها في ذلك لأنه يقوم بحق أهله وَرَحِمِه فإن أهل الزوجة لهم حق على الزوج والله وصى من فوق سبع سموات بالأرحام خيراً فقربه من أهل زوجته من صلة الرحم ومن الإحسان إلى الرحم ومن تقوى الله في الرحم فحينئذ يستجيب لها، هذا بالنسبة لقضية القرب والبعد في المسكن.
لكن هنا قضية وهي مسألة الجمع بين الزوجات في السكن الواحد قال العلماء في نوعية السكن الواجب: أنه ينبغي للزوج أن يكون سكن المرأة كاملاً بمنافعه، فإذا أراد أن يجمع أكثر من زوجة في سكن واحد نُظِر فإن كان لكل واحدة منهن سكنها منفصلاً في مكان راحتها ومنافع سكنها عن الثانية كان من حقه ذلك ولا حرج عليه في ذلك، لكن إذا شَرَّكَ بينهم في الشقة الواحدة المجتمعة المنافع لم يكن من حقه ذلك لأن الغيرة توجب الإضرار بالزوجة، إذا كان عند الأخرى خاصة إذا اشتركن في السكن، ولذلك نبه العلماء على أنه في حالة التعدد لا يكون السكن مشترك المنافع بين الزوجات لأنه يوجب ايقاع الفتنة بين الزوجات وقد يفسد على الزوج الحياة الزوجية، ولذلك قالوا يطالب بفصلهما عن بعضهما.
فإذا كانا مثلاً في شقة واحدة فصل بينهما وجعل لكل شقة منافعها المستقلة بها فحق له حينئذ أن يسكنهن على هذا الوجه، أما إذا كانت المنافع مشتركة ومختلطة فحينئذ ليس من حقه ذلك، إلا إذا رضي الزوجات وتراضين على ذلك واستقمن في عشرتهن فهذا شيء يستثنى.
أما من جهة الحق الواجب فمن حق كل واحدة أن تطالب بالانفصال عن الأخرى وأن يكون لها انفصال في سكنها ومنافع ذلك السكن وليس من حق الزوج أن يلزمها بأن تكون مع ضرتها سواء كانت واحدة أو كانت أكثر من واحدة فإن اشتركن في السكن الواحد وكانت المنافع لكل واحدة منافع سكنها نظر فان كان قرب الزوجة من الزوجة فيه ضرر عليها كأن تكون الزوجة الثانية مؤذية للزوجة الأولى والقرب يوجب الأذية ويوجب الإضرار كان من حق الزوجة أن تطالب زوجها بأحد أمرين:
الأمر الأول: إما أن يكف الأذية عنها.
الأمر الثاني: وإما أن يتحول إلى سكن تكون فيه مستقلة بعيدة عن أذية الأخرى لها.
بقيت مسائل في النفقة أولها متى تجب النفقة، ومتى تقسط؟ متى تجب النفقة أي متى تستحق المرأة أن تطالب زوجها بالنفقة ومتى يحكم القاضي بوجوب النفقة على الزوج لزوجته.
الشرط الأول: ينبغي أن يكون العقد صحيحاً فلا تجب النفقة في عقد فاسد فإذا كان عقد النكاح فاسداً فإنه لا يطالب الزوج بالنفقة؛ لأن النفقة أثر مبني على العقد الصحيح فإذا كان العقد فاسداً لم يؤمر بالنفقة كنكاح الشغار ونكاح المتعة ونحو ذلك فهذا لا تجب فيه النفقة.
الشرط الثاني: أن تكون الزوجة مدخولاً بها فإذا عقد الرجل على الزوجة ولم يدخل بها لا يطالب بالنفقة عليها إلا في حالة واحدة وهي أن يمكنه أهل الزوجة من الدخول بها فيتأخر، فإذا قال له أهل الزوجة أدخل بها وها هي زوجتك أدخل بها فامتنع من الدخول بها حينئذ كأنها زوجته وكأنها في عصمته والحبس منه لا منها.
ولذلك قالوا: إذا استأجرت عاملاً للعمل فمكنك من نفسه يستحق الأجره ولو لم يعمل فلو جئت به ووضعته في بيته، أو قال لك سأتيك يوماً وجاءك ولم يشتغل ذلك اليوم وكان عدم عمله منك أنت لزمتك نفقته، ولذلك قالوا: هذا مستحق للحبس، فلما حبسها في عصمته ومُكِّنَ من الدخول بها ولم يدخل كان من حقها أن تطالبه بالنفقة.
الشرط الثالث: إن تمكنه من الاستمتاع فإذا كانت ناشزه ممتنعه عن زوجها أن يطأها سقط حقها في النفقة، وليس لها حق أن تطالبه بالنفقة قال-تعالى-: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}.
ومن هنا قال العلماء: إذا خرجت من بيتها إلى بيت أهلها بدون إذنه ولم تأت إلى زوجها وامتنعت حبسها أهلها شهراً أو شهرين أو ثلاثة فهذه المدة كلها لا تستحق فيها الزوجة النفقة، ومن هنا تسقط نفقة المريضة فلو احتبست لمرض فإنه تسقط نفقتها ولكن من باب الإحسان يعطيها ويحسن إليها.
¥