وفرق أحمد مطلوب, كذلك, بين الاتساع والتوسع، وذكر تعريف ابن رشيق والمصري والسبكي والحموي والسيوطي والمدني, وذكر أن هذه التعريفات ترجع إلى ما بدأه ابن رشيق وقرره المصري وهي تشير إلى أن الاتساع يشمل الشعر والنثر (). وذكر التوسع كما جاء عند الجاحظ دون أن يذكر مفهوم المصطلح واكتفى بنقل الأمثلة والنصوص كما هي، وأشار إلى دلالات أخرى عند الزركشي مثل الاستدلال بالنظر في الملكوت, والتوسع في ترادف الصفات, والتوسع في الذم، وذكر أن السبكي سماه "التوسع" وهو أن يأتي في آخر الكلام بشيء مفسر بمعطوف ومعطوف عليه ().
وعرض للاتساع في "معجم النقد العربي القديم، فكرر ما جاء في معجم المصطلحات البلاغية وأضاف إليه أن ابن جني قد سمى هذا الفن توجه اللفظ الواحد إلى معنيين اثنين، وذكر أن باب الاتساع واسع يجول فيه النقاد والمفسرون ويتأولون الكلام, وفي ذلك حرية عظيمة وتفنن في القول" ().
وأشارت إنعام عكاوي إلى الاتساع والتوسع, وكررت ما جاء عند بدوي طبانة وأحمد مطلوب ().
ورأى حسين الواد أن "الشعراء, محمولين بقوة الإبداع, كثيرا ما تضيف أمامهم العبارة ويضحي اللفظ عاجزا عن الأدلاء منقطعا عن القدرة على التعبير, فيطلبون ما أصطلح عليه بالتوسع. وهو, عند التأمل, مصطلح رحب وغامض قابل لأن يمتلىء بأي شيء, ويعسر الاستدلال فيه بالبرهان القاطع" ().
ووقف إحسان صادق سعيد عند التوسع في معرض حديثه عن الخصائص التي تبرز رجحان اللغة العربية على غيرها من اللغات, من منظور النقاد العرب، وذكر من دلالات التوسع كثرة المفردات اللغوية وانفساح المجال التعبيري أمام المتكلم من جهة شيوع الألفاظ المترادفة في دلالتها، ومنها كثرة وجوه المجاز وأبوابه في اللغة العربية، ورأى أن الدائرة الفسيحة لمفهوم "الاتساع" قد تقلصت عند ابن الأثير فصارت الكلمة مصطلحاً دقيقاً يشير إلى نوع خاص من المجاز وليس إلى أنواعه كما كان عليه الحال من قبل. إذ جعله خاصاً بما إذا لم تكن بين المنقول والمنقول إليه مشاركة في صفة من الصفات. وأشار إلى وجه آخر للاتساع وهو "بمعنى قابلية اللغة العربية لوجوه التصرف والإعراب والتفنن في طرائق التعبير وأساليبه، كالحذف والاختصار، والزيادة في حروف الاسم والفعل والتكرير ومخاطبة الواحد بصفة الجمع وغير ذلك" (). وهذه الدلالات وغيرها سنجد تفصيلها في ثنايا البحث باستفاضة.
البلاغة العربية لم تكن بعيدة عن هذا الفضاء النقدي المعاصر، لا سيما من خلال مقولة التوسع التي هي في الأساس إبداع باللغة، و"إذا كان كل شيء في النقد الحديث والمعاصر يشير في اتجاه اللغة, فقد كان كل شيء في البلاغة العربية يشير أيضا في اتجاه اللغة. ويكفي القارئ أن يتوقف عند عبد القاهر الجرجاني وحده ليدرك ذلك الانشغال شبه المطلق بكيف تقوم اللغة بالدلالة من ناحية، وماهية الدلالة أو المعنى الذي تدل عليه تلك اللغة من ناحية أخرى" ().
هذا هو الفضاء النقدي الذي يدور في فلكه مفهوم "التوسع" وهو ما يمثل المرجعية النقدية التي نطل من خلالها على مفهوم التوسع في الموروث البلاغي والنقدي وحري بالإشارة أن البحث يؤمن بتداخل موضوعات اللغة والنحو والبلاغة والنقد وأن العلاقة بينها تكاملية، وأن مسألة تصنيف العلماء ضمن بيئة النقاد أو البلاغيين أو اللغويين أوالنحاة مسألة نسبية لم تعد تقرها الدراسات الحديثة، فقد أشار مصطفى ناصف الى أننا: "فصلنا بين كلمة النقد وكلمة البلاغة فصلاً لا يخلو من تعسف وواضح أن البلاغة تصور عمق النقد العربي وفلسفته" ().
ـ[وضحاء .. ]ــــــــ[08 - 07 - 2008, 12:19 ص]ـ
شكرا جزيلا لك دكتور على هذا الدرس الرائع؛ و إن كنا خسرنا الإحالات الموجودة.
بالنسبة للمصطلح ( Ecart) فلقد أشبع المختصين ترجمته حتى صارت لدينا تخمة من المصطلحات المترجمة و كلها تعود لنفس المصطلح باللغة الأجنبية.
أعتقد لو اكتفينا بـ (العدول) مصطلحًا ثابتًا معبّرًا عن مقابله الأجنبي، واعتمدناه لكان خيرا لنا من هذا التشتت عند كل مصطلح وافد قد يكون له مقابل في الموروث.
مارأيكم في هذا الجانب؟