تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أما صاحب البيان فان له نظرة فوق هذه النظرة، لأنه ينظر في فضيلة تلك الدلالة، و المراد بها أن يكون الكلام على هيئة مخصوصة من الحسن، و ذلك أمر وراء اللغة و الإعراب، ألا ترى أن النحو يفهم معنى الكلام المنظور و المنثور، و يعلم مواقع إعرابه، و مع ذلك فانه لا يفهم ما فيه من أسرار الفصاحة و البلاغة؟ و هذا هو السر في خطأ مفسري الأشعار، لأنهم اقتصروا على شرح معناها، و ما فيها من الكلمات اللغوية، و تبيين مواضع الإعراب، دون العناية بشرح ما تضمنته من أسرار الفصاحة و البلاغة.

و مما ذكر سلفا و على ذلك الأساس، يفرق ابن الأثير بين مهمة اللغوي أو النحوي، و مهمة الناقد أو صاحب البيان. ذلك أن هناك علوما تتخصص في البحث عن صحة العبارة وفقا لقواعد النحو و الإعراب و تلك هي مهمة علماء اللغة الذين يبحثون في بنية الكلمة. ثم إن هنالك علوما أخرى لا تقف عند تلك المسائل التقليدية المعروفة ولكنها تعالج النواحي الجمالية في الأعمال الأدبية، و تلك هي مهمة النقاد أو البلاغيين أو علماء البيان.

3– النقد النحوي في المثل السائر:

يعتبر ابن الأثير أن موضوع كل علم هو الشيء الذي يسأل فيه عن أحواله التي تعرض لذاته. و موضوع علم النحو هو الألفاظ و المعاني، و النحوي يسأل عن أحوالهما في الدلالة من جهة الأوضاع اللغوية.

و في الفصل الثاني الذي تطرق فيه لآلات علم البيان و أدواته و التي حددها في ثمانية أنواع من الآلات، حيث يضع على رأسها معرفة علم العربية من النحو و التصريف، و يقول: " أما علم النحو فانه في علم البيان من المنظوم والمنثور بمنزلة أبجد في تعليم الخط، و هو أول ما ينبغي إتقان معرفته لكل أحد باللسان العربي ". و يؤكد أن أول من تكلم في النحو هو أبو الأسود الدؤلي في عهد علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ثم تلاه ثلة من الأعلام، ويضيف

" فان قيل: أما علم النحو فمسلم إليك أنه تجب معرفته، لكن التصريف لا حاجة إليه، لأن التصريف إنما هو معرفة أصل الكلمة، و زيادتها، و حذفها، و إبدالها، و هذا لا يضر جهله، و لا تنفع معرفته ". و يرد عن ذلك أن الكاتب أو الشاعر إذا كان عارفا بالمعاني، مختارا لها و لم يكن عارفا بعلم النحو، فانه يفسد ما يصوغه من الكلام. و يختل عليه ما يقصده من المعاني، و أما التصريف فانه إذا لم يكن عارفا به لم تفسد عليه معاني كلامه، و أما تفسد عليه الأوضاع، و إن كانت المعاني صحيحة، " فكل من النحو و التصريف علم منفرد برأسه، غير أن أحدهما مرتبط بالآخر، و محتاج إليه ".

و يشير ابن الأثير أنه لا ينبغي لصاحب هذه الصناعة من النظم و النثر أن يهمل من علم العربية ما يخفى عليه بإهماله اللحن الخفي، فان اللحن الظاهر قد كثرت مفاوضات الناس فيه، حتى صار يعلمه غير النحوي، و لا شك أن قلة المبالاة بالأمر و استشعار القدرة عليه، توقع صاحبه فيما لا يشعر أنه وقع فيه، فيجهل بما يكون عالما به.

و هنا يأتي ببيت شعري لأبي نواس الذائع الصيت و الذي غلط فيما لا يغلط مثله فيه، فقال في وصفه الخمر:

كأن صغرى و كبرى من فواقعها حصباء در على أرض من الذهب

فينتقده ابن الأثير بقوله (صغرى) و (كبرى) غير جائزتين، فان فعلى أفعل لا يجوز حذف الألف و الأم منها، وإنما يجوز حذفها من فعلى التي لا أفعل لها، نحو حبلى، إلا أن تكون فعلى أفعل مضافة، و ها هنا قد عريت عن الإضافة و عن الألف و اللام.

و قد غلط أبو تمام في قوله:

يا لقائم الثامن المستخلف اطأدت قواعد الملك ممتدا لها الطول

ألا ترى أنه قال (اطأدت) و الصواب (اتطدت) لأن التاء تبدل من الواو في موضعين: أحدهما مقيس عليه كهذا الموضع، فانه من وطد يطد، فإذا بني افتعل قيل (اتطد) و لا يقال (اطأد)، و أما غير المقيس فقولهم في وجاه (تجاه) و قالوا (تكلان) و أصله الواو لأنه من وكل يكل، فأبدلت الواو تاء الاستحسان.

و يشير ابن الأثير أن المخطئ في التصريف أنذر وقوعا من المخطئ في النحو، لأنه قلما يقع له كلمة تحتاج في استعمالها إلى الإبدال و النقل في حروفها، و أما النحو فانه يقع الخطأ فيه كثيرا.

و مثال ذلك قول أبي نواس في الأمين محمد:

يا خير من كان و من يكون إلا النبي الطاهر الميمون

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير