تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يدرس محمد مفتاح في هذا الفصل كتاب "البصائر" لأبي حيان التوحيدي، منطلقا باعتبار هذا الكتاب يندرج في الكتب المنتخبات والكتب التي تتعدد مواضيعها، وفي هذا الإطار يكمن أن تتسم هذه الكتب بثلاث أطروحات، وناقش مفتاح في ذلك مجموعة من الباحثين فيما تعلق بكتاب البصائر، وهذه الأطروحات هي:

أ-التشتت والاضطراب المطلقان (رأي إبراهيم كيلاني)

ب-التشتت والاضطراب النسبيان (رأي د. وداد قاضي)

ج-نحو إثبات البنية والوظيفة (رأي محمد أركون)

ويشير محمد مفتاح أن تلك الآراء التي وصفت كتب الآداب عامة وكتب أبي حيان خاصة بالتشتت والاضطراب، كانت محكومة بخلفيات منهاجية ذات أبعاد ووظائف. وسيحاول مفتاح في هذا الصدد جمع آراء المؤلف نفسه حتى يتبين تأرجحه بين الرغبة في الوحدة وبين قيود الجنس الأدبي، ثم سيحاول إثبات وحدة "البصائر" السطحية والعميقة.

1 - الرغبة في الوحدة وقيود الجنس الأدبي:

لقد حقق التوحيدي مرارا كثيرة الوحدة بين أجزاء كتاب "البصائر" من خلال عدة مظاهر، أولها الإحالات وهي من أهم التقنيات التي وظفها المؤلف لينبه القارئ إلى ترابط كتابه وتشارح فقراته، ثنيها إقامة كتابه على مفهومين متقابلين هما الجد/الهزل، وليس هناك وحدة تجريدية وجامعة أكثر من هذه الثنائية وتبين أن المؤلف عقد كتابه على الجد (البصائر)، والهزل (النوادر). ثالثها دراية المؤلف بشروط التأليف وبقواعده ومراميه، وهي: الجمع والتحليل والتصنيف وتوفي غايات، وتبليغ رسائل، أما رابعها فتتمثل في مراعاة شروط الجنس الذي يؤلف فيه، والتوحيدي يؤلف كتابا في الأدب والأدب، في عهد التوحيدي، هو جماع الثقافات الإنسانية المعروفة في عصره. خامسها ما عبر عنه بالخلل الذي عم الوقت وخصوصا الخلل الفكري، وسادسها أن ضروب الخلاف تسببت في إهلاكه وتشوبه سمعته بعد مماته، وقد كان الرجل يتوقع ما يستعرض له من نكبات وإهانات بسبب مواقفه الفكرية.

إن أبا حيان كانت له غاية موجهة تتلخص في تكوين الإنسان الكامل السعيد، ومن ثمة، فإن كل فقر كتاب "البصائر" كانت تتجه نحو هذه الغاية المنشودة مهما اختلفت أجناسها الأدبية، وبالتالي فإن محمد مفتاح يسقط تهم التشتت والاضطراب في كتاب "البصائر" وتبرز وحدة الكتاب، ويظهر ذلك جليا في:"

2 - كتاب "البصائر" حكاية لمثال:

يقول التوحيدي:"اعرف حقائق الأمور بالتشابه، فإن الحق واحد ولا تستفزنك الأسماء وإن اختلفت" فهذه القولة تلخص الفلسفات التي كانت تهيمن على فكر أبي حيان وجيلهن وهي الفلسفة الأفلاطونية التي كانت تربط بين أشياء أو كيانات لا رابطة ظاهرة بينها، ويشير مفتاح إلى تجليات هذه الفلسفات وتصورها للكون في شخصية أبي حيان التوحيدي والواردة في كتاب "البصائر" ويذكر منها:

أ-تراتبية العالم وتطابقها (عالم علوي/العالم المتوسط: الإنسان/العالم الدنوي)

ب-تراتبية العلوم وأهدافها (القصوف/العلوم الشرعية/العلوم اللغوية/العلوم الدخيلة)

ج-تراتبية الكائنات ومراميها (الإنسان/الحيوان/النبات/الجماد)

د-تراتبية الإنسان ومغازيها (خاصة الخاصة/الخاصة/العامة)

هـ-التراتبية والحق في الوجود (فلكل أمة فضائل ورذائل، ولكل قوم مساوئ ومحاسن).

3 - كتاب "البصائر" حكاية لواقع:

يفترض مفتاح أن كتاب "البصائر" مسرح لواقع إنساني عميق ولواقع نصي سطحي.

فبالنسبة للواقع العميق، يقترح مفاهيم جديدة لمقاربة الكتاب والمتمثلة في الأوليات الأنثربولوجية والأولويات الثقافية، والأولويات التعبيرية.

أما بالنسبة للواقع السطحي للكتاب فقد تم الاعتماد على آليتين اثنتين هما الانضباط الذاتي (ويعني بها أن النص يحتوي على آليات تضمن استقراره وثباته وانتظام فقراته) والآلية الثانية هي التفاعل (التي تربط بين فقرات النص، وهو نتيجة الاشتراك والاختلاف بين الفقر).

ويلخص مفتاح إلى أن هذه الآليات والأوليات برهنت على انتظام كتاب "البصائر" خطيا كما برهنت آليات أخرى على انتظامه موضوعيا. وقد اعتبر هذا الكتاب أثرا أدبيا متفاعلا مع آثار أخرى للمؤلف نفسه، كما أن مؤلفاته (التوحيدي) جميعها متفاعلة مع ثقافة معاصريه في سياق اجتماعي وسياسي وثقافي يجمع بين الأرض والسماء، وعلى أساس هذا الجمع افترض أن كتاب "البصائر" حكاية لكون مثالي، وحكاية لكون واقعي.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير