تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن الخاصية الأسلوبية الأساسية لهذه المرحلة تتمثل في نزعة واقعية تسعى وراء الغرابة، فكان التغيير في بنى الشكل والمضمون من خلال تسرب عناصر عامية وشعبية موروثة من العصر الوسيط، يقول هايني:"لقد خلق سرفانتس الرواية الحديثة بإدخاله على رواية الفروسية تصويرا أمنيا للطبقات الدنيا، وبمزجه بها حياة الشعب".

2 - اقتحام الواقع اليومي:

هي مرحلة التراكم البدائي، حيث أفق الغرابة الفسيح يضيق وينكمش، وحبكة العمل وطبائع الشخصيات تغدو واقعية بالمعنى الضيق للكلمة. فالبورجوازية تحولت الآن إلى طبقة سائدة اقتصاديا، واكتسبت الحق في أن تغدو مصائرها الطبقة الخاصة، بما هي كذلك موضوعا في النوع الملحمي الكبير. لذا جرى التشديد في هذه المرحلة على المبدأ الفعال للبورجوازية، أي على عامل التقدم أكثر مما في أي طور آخر من أطوار التطور، كذلك ظهرت في هذه المرحلة تحديد أجرأ المحاولات لخلق بطل بورجوازي (إيجابي). ويضيف لوكاش أن التأييد الذي محضه كبار كتاب تلك المرحلة لتقدمية ذلك التطور البورجوازي لم يمنعهم من أن يصوروا بملء الحقيقة أهوال انقلاب المجتمع في عصر التراكم البدائي وويلاته، وهذا التناقض الخصب بالنسبة إلى الرواية، هو هنا التناقض غير المحلول بين ويلات المشروع المطروح وبين تفاؤل الطبقة الصاعدة الكامل (ديفو). ونضال البورجوازية من أجل فرض أشكالها الحياتية الخاصة على الأدب أنتج في الوقت نفسه، وفي مواجهة تقليد إقطاعي متحجر، الرواية التي تكافح في سبيل تبرير العواطف والذاتوية (ريتشاردسن، روسو ... )، هذه الذاتوية التي تمثل ميلا تقدميا قابلا حتى لأن يتحول إلى ميل ثوري، تؤدي في الوقت نفسه إلى انحطاط نسبي وانحلال ذاتوي للشكل الروائي.

3 - شعر الملكوت الحيواني الروحي:

هي المرحلة التي ظهرت فيها للملأ تناقضات المجتمع البورجوازي، فبعد الثورة الفرنسية التي وضعت حدا (للأوهام البطولية) لإيديولوجيي الطبقة البورجوازية، كما ذهب إلى ذلك كارل ماركس، ثم تلى ذلك صعود البروليتاريا إلى خشبة المسرح كقوة مستقلة بذاتها، وبالتالي ولادة الرومانسية كتيار عالمي هام.

فالرومانسية تكافح الرأسمالية باسم الأشكال المجتمعية البائدة، ومن جهة ثانية تضع نفسها بنفسها من دون أن تعي ذلك في أكثر الأحيان على أرض الرأسمالية، إنها تمثل إذن كفاحا مثاليا، تحركه إيديولوجية ذاتوية، ضد الرأسمالية المنظور إليها على أنها مكتملة، أي أنها (قدر).

إن الرومانسية تشدد من جانب واحد، وعلى نحو يخدم في كثير من الأحيان الروح الرجعية على عامل الانحطاط الإنساني في الرأسمالية. ويتسم كتاب هذه المرحلة بأسلوب واقعي رفيع، وذلك بتغلبهم على الميول الرومانسية، وبنضالهم في سبيل فهم كلية عصرهم من خلال تظاهر تناقضاته كافة، بالرغم من أن محاولاتهم يكتنفها الالتباس، فمن جهة يتغلبون حقا على الميول الرومانسية، ويدمجون العناصر الرومانسية في إبداعاتهم رغم ما في هذا الإدماج من عيوب. ومن جهة أخرى يحتوي نضالهم ضد نثر الحياة بالحتم والضرورة على عناصر رومانسية غير متجاوزة، هذا التجاوز الفعلي وهذا التجاوز الظاهري للرومانسية يتداخلان ويتمازجان على نحو شديد التناقض لدى نفس الكاتب.

ومثال ذلك (البرج الغامض في "سنوات تدريب فلهلم مايستر"، رواية غوته، هو في آن واحد من باب النثر الذي قاوم الانحلال ومن باب المبالغة الرومانسية).

4 - المدرسة الطبيعية وانحلال الشكل الروائي:

وهي مرحلة الأفول الإيديولوجي للبورجوازية، وتنامي النزعة إلى المنافحة والتقريض في جميع الميادين الإيديولوجية.

حيث غدا الصراع الطبقي بين البورجوازية والبروليتارية على نحو سافر ومكشوف مركز جميع أحداث المجتمع، اختفى طردا مع ذلك الأدب الروائي البورجوازي. لكن كلما تحاشى الكتاب عن وعي أو لا وعي مسألة عصرهم المركزية، وجدوا أنفسهم مكرهين على الانزلاق في نمط تصويرهم للأحداث نحو ما هو هامشي، وتظهر آثار ذلك أيضا حيثما لا يتشكل الصراع الطبقي بين البورجوازيا والبروليتاريا، وإبان هذه المرحلة يحل ميراث الرومانسية الإيديولوجي محل ميراث التقليد الواقعي الكبير.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير