ويتسلط على أسلوب الرواية البورجوازية أكثر فأكثر الإحراج الكاذب بين الذاتوية الخاوية من كل مضمون، والموضوعية المنفوخة اصطناعا. ويتضاءل أكثر فأكثر قدرة الكتاب الواقعيين على تصوير المجتمع في صورة سيرورة تطورية، ويتوجهون أكثر فأكثر نحو تصويره في صورة عالم ناجز وجامد، والنتيجة المحتمة لهذا التطور ابتعاد المدرسة الطبيعية والتيارات التي أعقبتها أكثر فأكثر عن نمط تشخيص النماذج المتفردة إلى أقصى حد، واستعاضتها عنه بتصوير الإنسان المتوسط.
5 - منظورات الواقعية الاشتراكية:
بحكم كينونتها الاجتماعية، تقف البروليتاريا موقفا مغايرا تماما لذلك الذي تقفه البورجوازية من تناقضات المجتمع الرأسمالي التي تعين أيضا وجودها قبل سقوط الرأسمالية، وباعتبار أن البروليتاريا تعني الانحلال الثوري للمجتمع البورجوازي، وبدءا من أشكال الصراع الطبقي البروليتاري، وكذا الأخذ بعين الاعتبار تلك التجمعات العمالية في منظمات طبقية (نقابة، حزب)، وبدءا أيضا من مشكلات صراع الطبقات بالذات، تنبجس بالضرورة إمكانية تصوير العامل الواعي في صورة بطل (إيجابي).
يقول لوكاش:"وهكذا أفضى كفاح خيرة ممثلي مرحلة الثورات البورجوازية البطولي في سبيل الإنسان المنسجم إلى رثاء حزين، إلى مأثم يندب فيه الإنسان الضياع الذي لا مرد له، لشروط تفتح جميع القدرات الإنسانية تفتحا منسجما، وهناك فقط حيث ينقلب نقد المجتمع البورجوازي إلى إحساس أولي بالاشتراكية".
يشير لوكاش إلى أن استيلاء البروليتاريا على السلطة وبناء الاشتراكية، تكتسب هذه الميول نوعية جديدة، فالطبقة العاملة ببنائها الاشتراكي وبإبدائها عدوها الطبقي، تلغي الأسباب الموضوعية لانحطاط الإنسان، وهي لا تخلق إمكانية إنسان جديد فحسب، بل تخلق هذا الإنسان الجديد عينه، وكل هذا يؤدي باتجاه تعديل عميق للغاية للشكل الروائي الموروث عن البورجوازية، ذلك الشكل الذي يطرأ عليه تحول جذري، فينزع إلى التوجه نحو الأسلوب الملحمي. إن هذا التفتح الجديد للعناصر الملحمية في الرواية ليس تجديدا إجمالي النزعة للعناصر الشكلية في الملحمة القديمة أو لمضمونها، ولكنه يأتي نتيجة ضرورية وعضوية لتطور الكينونة الاجتماعية، لتطور المجتمع اللاطبقي الذي هو قيد التكون.
ويعضد لوكاش رأي ستالين في اعتبار الطبقة العاملة تعمل في سبيل الإنجاز التام لمهمتها العظيمة، "والمتمثلة في التغلب على مخلفات الرأسمالية في الاقتصاد وفي وعي البشرية"، هذا الكفاح هو الذي ينضج العناصر الملحمية، فهو يوقظ طاقات الجماهير ويستنهض من بين صفوفها رجالا ذوي شأن وعزيمة ويجعل منهم قادة لتلك الجماهير، وهم بذلك من خلال مشاركتهم في هذا الكفاح من أجل هدم القديم، وفي الكفاح من أجل البناء الاشتراكي يقهرون داخل أنفسهم المخلفات الإيديولوجية للرأسمالية، وفي هذا الإطار يعمل كتاب الواقعية الاشتراكية في الرواية.
خاتمة:
تعتبر أعمال جورج لوكاش محاولة جادة لتقعيد الرواية التي اعتبرها النوع الأدبي النموذجي للمجتمع البورجوازي، هذا الأخير الذي اتخذ الرواية أداة تعبيرية في صراعه مع الطبقات المعادية ولاسيما طبقة الإقطاع وطبقة البروليتاريا. وقد استفاد لوكاش من أعمال هيجل الذي أقر بأن الرواية ملحمة بورجوازية أفرزتها تناقضات المجتمع الرأسمالي، كما استفاد من أعمال المدرسة الرومانسية الألمانية الأولى، وكذا أعمال كل من ماركس وإنجلز.
وهكذا اعتبر لوكاش الرواية جنسا أدبيا له بنية شديدة التعقيد، متراكبة التشكيل تطورت عبر مجموعة مراحل، وهو لا ينظر إليها باعتبارها ظاهرة معزولة أو جنسا أدبيا مستقلا، بل باعتبارها لاحقة لأجناس أخرى، وهي بذلك منفتحة على مستوى الشكل والمضمون بشكل مستمر.
وقد استفاد اللاحقون من تصورات لوكاش خصوصا لوسيان غولدمان في دراسته السوسيولوجية للرواية، والذي ينطلق من تصور بنيوي في مقاربة الرواية الغربية التي أفرزتها البورجوازية الأوربية.
لائحة المصادر والمراجع:
-جورج لوكاش، الرواية كملحمة بورجوازية، تر: جورج طرابيشي، بيروت، دار الطليعة للطباعة والنشر، 1979.
-جورج لختهايم، سلسلة أعلام الفكر العالمي (جورج لوكاش)، تر: ماهر الكيالي، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1982.
-ميخائيل باختين، الخطاب الروائي، تر: محمد برادة، الرباط، دار الأمان للنشر والتوزيع، طبعة 2، 1987.
-جورج لوكاش: دراسات في الواقعية، تر: نايف بلوز، بيروت، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 1985.
-عبد الملك مرتاض، في نظرية الرواية (سلسلة عالم المعرفة)، العدد 240، الكويت، إصدار المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، دجنبر 1998.
COLOR]
ـ[وضحاء .. ]ــــــــ[18 - 08 - 2008, 12:45 ص]ـ
أستاذ فراي
بالنسبة لعمليات النقاد في تأطير العمل الأدبي، وتحديد معالمه دائما ما تقصر عن استيعاب الرواية بوصفها عملا متمددا.
و لكن الأهم برأيي المتواضع هو طرح وتسليط الضوء على محاولات النقاد وسعيهم لتحديد وتوضيح قواعد التحليل السردي؛ و ذلك للحاجة إليه.
بانتظار ما لديك.
¥