تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[(حديث المرايا)]

ـ[عزّي إيماني]ــــــــ[28 - 06 - 2010, 07:33 م]ـ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عذرا لإزعاجكم .. وانتظر ملاحظاتكم.

تأملت تقاسيم وجهي، تحسست تجاعيده وتنهدت. مددت يدي لاقتلع صفحة تقويم ذاك اليوم ورميت بها في السلة عدت لمرآتي وقلبت بالسبابة ذؤابتي التي اشتعل بها الشيب. صارعت دمعة تحاول شق طريقها لخدي فمنعها تجلدي وسد طريق عبورها. قررت أن أخرج لأجلي ما علق في نفسي صبيحة ذاك اليوم. ارتديت عباءتي وطوقت وجهي بنقاب يسلمني نظرات شفقة الجيران.أطلقت لقدمي العنان ومشيت وعقلي يقلب صفحات عمري الضائع وقلبي يعتصر ألما. وأنا في أوج استحضار مصيبتي أحسست بخطوات تتبعني. ذعر قلبي وأسرعت خطواتي فإذا هي الأخرى تزيد سرعتها. توقفت لألمح من يتبعني، فإذ به شاب في مطلع العشرينات. تبسمت بيني وبين نفسي. وأنى له رؤية بسمتي وقد حيل بينهما بستار أسود. وأنى لي بهذه الحظوة وأنا العانس. عدت لمنزلي وأنا أخطو خطوات قصيرة لأطيل المدة مزهوة بنفسي وفرحة بمن يقتفي أثري.

توقفت حركاته عند مشارف حينا. التفت صوبه أودع إطلالته. وأسرعت إلى منزلي ومنها لمرآتي. ووهم الفرحة يغزو محياي. أردت أن أعيش تلك اللحظات مع يقيني بأنها سراب. لكن ما الضرر أن أحلم؟ فهو ما بقي لي من حياتي.

كما أنها فرصة لن تتكرر مع من تجاوزت العقد الأخير من الثلاثينات. وحتى أعيش حلمي تكرر خروجي يوميا. كنت أتعطش لخطواته. وهو بدوره لم يسأم من تعقبي. ربما خيل له أن خلف الستار الأسود قمرا حجب جماله عن العالم حرصا.

بقينا على هذا الحال أياما. حتى استوقفني يوما يريد الحديث معي. تمنعت وأنا الراغبة، ومع إلحاح منه قبلت أن نجلس في أحد زوايا حديقة عامة. أطال النظر إلى عيني وكأنه يحاول أن يكمل تفاصيل صورة رسمها في خياله. لزمت الصمت وتركت له حرية الإبحار. استمر صمتنا طويلا ورأيت أن الوقت أدركنا. فقمت قاصدة العودة لمنزلي. نطق عندها طالبا مني مقابلتي في الغد فهززت رأسي ملبية. عدت وقلبي يرقص فرحا. نسيت ما أنا عليه. ففرحتي به أنستني كل شيء. عدت وأنا أشدو ألحان حب حرمت منها. قضيت يومي ذاك وعيني تزاور الساعة. ترقب انقضاء الوقت بسرعة. ومع كل ساعة تمر تزداد خفقات قلبي شوقا للقاء. ما إن اقترب الموعد، تطيبت ومسحت وجهي ببعض مساحيق زينة. ارتديت العباءة والنقاب ومضيت بسرعة إلى حيث تواعدنا. وجدته قد تقدمني ورائحة عطره عمت المكان. رأيته يحمل باقة حمراء في يده. رقص قلبي أسرعت إليه ومد يده مسلما. تأملتها برهة ثم مددت يدي وكانت المرة الأولى التي أصافح فيها رجلا غريبا. أحسست برعشة في يدي وأنا أحس بدفء يده وهو يضغط على يدي بقوة. جلسنا على أحد المقاعد ولم أجد نفسي إلا وأنا سابحة عينيه. وشرد ذهني بعيدا

اشتغل شرودي ومد يده لنقابي وكشف عن وجهي. انتبهت عندها. وأنا أرى أثر الدهشة في وجهه وتغير تقاسيمه. أشاح بوجهه عني فترة ثم عاود النظر إلي. نظرات حادة. لا تخلو من اشمئزاز مما يراه. أطرقت وطال إطراقي. ولما رفعت رأسي لم أجده بجانبي. تركني ومضى وكأنه ودع حلما زائف. بكيت بحرقة، طوقت وجهي وعدت إلى منزلي بعد أن أيقنت حقيقة أن لا حق لعانس أن تحلم.

أمضيت يومين أعاني تبعات ما حدث وعزلت نفسي عن ما يحيط بي. أعدت خلالها حسابات عمر مضى. فكرت في نفسي من أنا في هذا العالم؟ ما دوري به؟ هل الزواج منتهى طموحي. أدركت وقتها أني على خطأ , وأيقنت أني من أجرم بحق نفسي. وضيعت سنين عمري بلا هدف. مسحت عبراتي وعقدت العزم على التغيير. فالتحقت بمشغل لتعليم الخياطة.وبرعت في أعمال التطريز والتصميم. كنت الأميز بين جموع من التحقن. من أجل هذا قرر أهلي فتح مشغل خياطة لي. كانت بمثابة هدية منهم على اجتيازي المشغل بتميز، ورغبة منهم في سكب عصارة ما تعلمته. لم أتمالك نفسي من الفرحة. فقد كان لهديتهم وقع كبير على قلبي.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير