[كقصص ألف ليلة وليلة بل أغرب]
ـ[نُورُ الدِّين ِ مَحْمُود]ــــــــ[29 - 05 - 2010, 01:18 ص]ـ
صُفِعَ صفعة على وجهه , لولا عناية الله لصار وجهه أقرب إلى شجرة تكالب عليها البرق فقسمها نصفين , ابن الطبقة المتوسطة وقفَ أمام إمبراطور الاحتكار في الطبقة الاستقراطية , مذهولاً!! يكاد يبكي يكاد يصرخ يكاد ينتقم , حرَّك رأسه لأعلى لاتخاذ القرار , ليعلن في إباء أن عزة نفسه فوق كل شيء , يداه موضوعتان إلى جنبيه , ترتعشان , الدم ُ فيها يغلي بدرجة ألف أو ألفين , بدأ في تحريك يده اليُمنى ببطىء شديد , ثم أعادها إلى وضع الاستقامة كما كانت , فحركها مجدداً لنفس المركز الذي ذهبت إليه وعادت منه , فقال؛ الآن لن تمنعني المبادىء والقيم لرد الصفعة المؤلمة بأخت لها جارحة , فجأة سقطت دمعة من عين حبيبته في يديه , ظنها للوهلة الأولى قطرة ماء , أو ربما ثقب ما في سقف القصر قد نفذت منه الأمطار التي تركها بالخارج , ما إن توالت الدموع في كفه وأثناء ذلك قد اتخذ قراراً برد الصفعة دون تراجع , عن قناعة اتخذهُ , فذلك الشاب لا يُثنيه أحدٌ عن رغبته إلا تلك الفتاة!! التي أحب , أهي هي , نعم هي هي , الواقفة في الطابق العلوي للقصر فوق كلاهما تماماً , كانت في شوق لمعرفة ما سيدور في هذا اللقاء المصيري , أحسَّ بها , رجع خطوة للخلف فنشّف كفه بوجهه متمتماً لها لا أدري يا سيدتي ربما تلك الدموع هي آخر ما يلامس روحي وجسدي منكِ , الأب بصوت غليظ , ألم يأن لحضورك أن يرحل , أم أنك تريد صفعة أخرى على خدّك الثاني؟ , خرجت من صمتها أخيراً ومن دور البراءة والضحية والانكسار , ثم دخلت في تقمص دور جديد مختلف تماما , بدأتهُ بنزولها السريع على درج القصر وكأنها ذاهبة إلى مكان ما لا تعرفه إلى قدر ما لا تعلمه , وقع قدميها الصغيرتين كحوافر الخيول العربية الأصيلة , وكلماتها المتصارعة على الخروج من فمها والتي لا تفهم بالمرة كصهيل وعبق فارس في حرب العدو , ونحيبها ليس نحيب شابة في مقتبل العمر , إنما نحيب أم فقدت جميع ولدها أو على وشك , نظراتها سهامٌ من نار أو كمصباح للحظة أوقده صاحبه والزيت في قمة الزجاجة , ما إن نزلت , أصبحت ثالثة الاثنين , وقفت بين أبيها وحبيبها , كحائل الفولاذ , لتمنع تأزم الموقف أكثر من ذلك , ثم بصوتٍ متوسل ذليل قالت , أستحلفك بالله يا أبتِ لا تقم بإيذائه مرة أخرى , إنه لم يؤذني قط , عشقه لي عشقاً روحياً خالياً من الدنس ,ولم يقترب مني قط كجسدين , كان دائماً يفصلنا فرسخٌ أو أكثر , لم نكن كعاشقين مستهترين , غير عابئين , بل كُنّا دوماً أشهد الله على ذلك أقرب لطفلين طاهرين , هو السبب في كل ذلك , هو الذي قد انتشلني من حياة اللامبالاة , وأخذني لعالم روحي فيه أصبحت ملكة حقيقية غير مزيفة , أبي أرجوك لا تفرّق بيننا , إن سعادتي معه , وليست في قصرك هذا المملوء بالملل والكبت والقهر , كانت آخر كلمة قالتها , بعد هذا السيل الجارف من الصدق والعواطف الجياشة , قبل أن يضحك والدها ضحكة قاتل لا يعرف رحمة , أخرج المسدس في مفاجأة غير متوقعة مصوباً في اتجاه العاشق النبيل , تطورت الأحداث سريعاً , احمر وجهه فاسود ثم عاد للونه الطبيعي , وقال , إن تقتلني فأنت تقتل زوجاً ابنتك عاجلاً أم آجلاً , لم يهتم بقوله كثيراً فقط تم تأجيل اللحظة لإطلاق الأعيرة النارية , سبق السيف العذل وقد كان , خرجت متتاليات , طلقة , طلقتان , ثلاث طلقات , لكن قد أعماه الحقد والظلم , فكانت الطلقات الثلاث في ظهر ابنته لأنها تطوعت في الذود عن هذا الذي تمنته من الدنيا , إحدى الرصاصات توغلت إلى القلب , وها هي تلفظ آخر كلماتها وقبل أن تنطق الشهادة قالت , وداعاً يا أبتِ قد تخلصت أخيراً من قيدك المتجبر , سأذهب بعد قليل ها أنا ذي أحلق نحو عالم الرحمن العلوي , حيث الحرية المطلقة , ثم شدت علي يد حبيبها ,وقالت بتقطع, إني أنتظرك إني أنتظرك كما وعدتك وسأظل أنتظرك كي نصبح أطيب زوجين وأجمل حبيبين وأعقل مخلوقين؛انهال الحبيب المكلوم على أبي الراحلة , فوثب وثبة واحدة ووقف على جسده كأسدٍ ينقض على فريسته , وفجأة دخل رجال الحراسة وكلابهم العملاقة فأنهوا ذلك المشهد الأسود الذي بدأ بالدماء وسينتهي بالدماء , ظنوا أن سيدهم القاتل مقتولاً , فما كان لينطق أو ليهمس , كما أن المشهد أوحى لهم بذلك , قبل أن يضغط الزناد ويفرغ ما تبقى من أعيرة نارية في رأس الوالد المزعوم , أطلقوا جميعاً من أسلحتهم الآلية , حتى أنهم ما شاهدوا حركات يد سيدهم أن توقفوا ولم يسمعوا كلمتيه الخافتتين , أنا حيٌّ , أنا حيٌّ , لم يسمعوا توسلاته لم ولن يعرفوا ما كانت آخر أمنياته , ثلاثتهم أصبح طريح الأرض , والسماء وحدها الآن هي التي تعرف بقية القصة.
ـ[الباحثة عن الحقيقة]ــــــــ[29 - 05 - 2010, 02:20 ص]ـ
قصة حزينة انتهت نهاية مأساوية .. خيالك خصب جداً أخي الكريم نور الدين
بارك الله فيك تابع الكتابة فربما أصبحت كاتباً ذا شأن
وفقك الله وبارك فيك
¥