تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أنفاسٌ تأبى الخروج

ـ[نُورُ الدِّين ِ مَحْمُود]ــــــــ[16 - 07 - 2010, 09:53 ص]ـ

أنفاسٌ تأبى الخروج

ضاقت بها الدنيا بعدَ رحابةٍ وهُيام .. أطبقت على صدرها شعرت بالضيق الكبير يُصيب عالمها الصغير .. كادت تختنق كادت تعلن للحياة أنها ستفترق .. خرجت إلى شرفتها المُطلة على جبل جليدي آملة في رؤية ما وراء الغيوم .. لعل الشمس تُفَتِّح لها أبواباً أضعف الإيمان ثقوباً صغيرة في تلك السحب الكثيفة التي لا تنقطع ولا تمضي كأنها ثابتة ثابتة ثابتة .. ثلاثية لن تُقدم ولن تؤخر شيئاً .. تراقبها من بعيد بعض الأشياء الخاصة .. ساعة صغيرة الحجم خفيفة الوزن ليست مرصعة لا بالنفائس ولا بالذهب؛ وقلمها المكشوط ذو السنِّ المُتعب؛ ودفترها المصنوع من ورق أشجار الكرز؛

وقارورة عطر عُثمانية كانت لجدتها التي سكنت القدس ثم رحلت إلى بغداد مارة على الشام والحجاز ومصر؛ وأشياءٌ أخرى أبت أن تؤاذر سيدتهم في محنتها " محنة الأرق الأبدي " .. دار بين الأشياء المذكورة بعض الآحاديث الجانبية على هامش الهم والتعب الذي لحق بالفتاة الوردية .. بدأ القلم متحدثاً لا يجب السكوت على هذا مطلقاً يجب أن نفعل شيئاً إن حالتها تزدادُ سوءً لها الكثير من الوقت منذ سَمِعتْ هذا النبأ الشؤم وهي مُتطايرة وكما تعلمون ما كلمتني أنا وأوراق دفترها حتى ما سلمت علينا منذ أيام .. أسالت القارورة قطرات من عطرها المتجمد بعد شعورها بحرقة جراء ما تكلم به القلم فأردفت إنها تذكرني بجدتها الشمّاء تماماً عِندما جاءها خبر الرحيل الفوري عن ضيعتها في فلسطين وقتها لم تأخذ معها سواي وبعض الأزهار التي طحنتها عندما استقر بها الحال في بغداد فمزجتها وبقية الورود مع بعض الرياحيين فجعلتهم عطراً واحداً وها هو ذا يسيلُ منّي لا فرحاً بها وتزييناً لها إنما ألماً وحزنا ..

تدخلت قراطيس الدفتر: أونتركها هكذا بلا عون يُخرجها دونَ أن نخبر أحداً من أسرتها الغير مبالية بها ألا نواسيها ألا نخفف عنها .. قاطعت الساعة حديث سيد القراطيس: أما أنا فرأيي أن نحاول تذكيرها بعمرها الذي يمضي؛ فمنذ أن اقتنيتي خمسة أعوام مضوا وما تغيرت تلك سيدتنا وعندما أتى المنقذ الذي بدد حزنها الرهيب استثكروا عليها قطعة من الفرح بل ساقوا لها قطعان من العذاب ما هذا العالم ما هذا .. شعرت بحراك دخل غرفتها وحالة من الثورة العارمة التي في حالة غليان لماء العيون في صحراء العرب .. غليانٌ تفوقَ على الصقيع والبرد والجمود .. قالت بصوت منكسر لأشيائها: كفّوا عن التمتمة أو الاشفاق .. فليس ما أنا فيه وأنتم فيه معي إلا سحابة صيف وتمر .. قال القلم: لن أتمتم لكِ بل سأتكلم نيابة عنّا جميعاً وعنكِ إن حالتك لا ترضينا ولا تردي سيدنا أمير قلبك فإما أن تخرجي وإما أن نخرج نحن ونخبر العامة والخاصة بشأنك؛ واعلمي فوق علمك يا سيدتي مع احترامي وتقديري إننا نعيش في بلاد لا تمر فيها سحب الصيف لأنا الأربعة فصول عندنا ثخضع لمملكة الثلج والتبلد والجمود .. سقطت دمعة منها ثم توالت الدموع كأنها نهرٌ شقَ خدها وهو أرض جدباء .. نظرت إلى السماء حيث عرش الملك القدوس .. ربي إن قلبي ليس لي عليه سلطان وأنتَ تعلم أني ما عصيتك ولن أعصيك ولن آتي أمراً لا يُرضيك فيا مُقلب القلوب ثبتني على دينك .. دق الباب .. أمي .. ابنتي هلاّ فكرتِ في الأمر هلا وافقتِ؛ إذن هي موافقة دون الرجوع إليّ فلماذا أفكر إذن وهل تركتم لي مساحة للتفكير ..

وهل هناك شيءٌ في عالمنا يُفكر .. أليس منطق القوة هو السائد عندكم .. عندنا تتكلمين وكأني غريبة عنّك لستُ بحاملتك تسعاً وراعيتك دهراً .. لستُ أعرف يا أمّاه مَن الغريب عن مَن ومَن القريب مِمن هذا عصرٌ غريب الملامح باهت الألوان ضعيف الإبصار أهله يمتازون بكثافة كهذا السحاب من فوقنا لكن يسقطون في نفس الوقت سريعاً فرؤيتهم المعرفية بحقيقة الأمور تكاد تكون معدومة؛ أمي أرجوك اتركيني وحدي الآن .. توجهت نحو المكتبة مسكت بكتاب: عندما تكون شرقياً ماذا عليك أن تفعل .. قرأت عشر صفحات عند الصفحة الحادية عشر زارها البكاء مجدداً .. الساعة والدفتر والقارورة والقلم أحدثوا هزة مكانية لكل شيء داخل الغرفة كل الأشياء تيقظت من ثباتها .. نظرت إليهم جميعاً فقالت: لا تقدموا على ثورة أكفيكم إيَّاها .. رنّ الهاتف بعد

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير