تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[لست جمادا]

ـ[لغتي الثروة]ــــــــ[29 - 09 - 2010, 02:11 ص]ـ

في تلك الزاوية من حجرتي .. جلست على كرسي هزاز .. لا أدري كم من المرات كسرت أحدى أرجله وأصلحته

ولكنه عزيز على قلبي .. يذكرني بالكثر من القرارت التي أتخذتها في حياتي .. المتمردة منها ..

والمصيرية .. وقرارات ليست بذات أهمية .. هذا الكرسي يشبه مجلس الشورى لأفكاري ..

وذلك الحيز الضيق يساعدني على صفاء التفكير .. لا أعلم ما هو السر الذي يكتمه ..

ولكن أجمل ما كتبته يداي كان هنا ..

تأملت حجرتي الكبيرة نوعا ما .. واطلت النظر بكل أركانها لقد تغير كل شيء الا هذا الكرسي ..

جلست بتمهل ثم نهضت بسرعة .. وكأن حادث قد حدث .. ثم وقفت بزاوية بعيدة ..

وأنا اتأمله ثم اشاهده .. ثم ابعث نظرات حادة فاحصة ..

وتجمعت الأفكار برأسي .. وقد ومض لي هذا السؤال وكأنه المصير.

.ماذا لو كان العجوز هو منبع أبداعي .. ولو حرمت منه هل سأعجز

عن التفكير .. هالني ما عرفته من تعلقي به .. وقررت إحالته إلى التقاعد ..

حلت القسوة على قلبي كحلول الضيف الثقيل ..

الذي تجب عليك ضيافته واستقباله رغم انك لا تكن له الود ..

هذي المرة أتخذت قراري بعيدا عن الكرسي .. جررته إلى الخارج

كما أجر روحي إلى الموت انتباني التردد وخنقت أنفاسي العبرة.

.تسللت سحابة حزن وجادت بالوبل .. على طرف جفني ..

دمعة خجلة لم تثنيني عن قراري .. واستقبلتها خشونة منديل ورقي ..

لا أستطيع تفسير مشاعري لجماد .. أشعر بأنه جزء مني ..

لماذا كل هذا التعلق بكرسي تجاوز مرحلة الشيخوخة ...

.يبدو كشبح كهل واهن يستند إلى الحائط بصعوبة .. لم تجدي معه اعمال التصليح

أو الصيانة .. هو لم يعد يهز ولم أعد أسترخي عليه .. خوفاً من أن يعاود الإنهيار ..

الكثير من قريباتي اسموه ب (رجلي)

بمعنى زوجي بلهجتي الشمالية .. وافهم سبب التسمية لأخلاصي له وحفضي لعشرته.

.بعض من زارني من صديقاتي لم تخفِ دهشتها ..

او ضحكتها الساخرة .. ولم تصبغ تعجبها بطابع المجاملة.

.فمنظرة يسيء لأناقة حجرتي ومع مرور الأيام والكثير من الدعابات

التي ابتلعها بأبتسامة صفراء .. تحمل البركان الغاضب في جوفي.

.فأبتلع غصاتي وحرقاتي .. على (رجلي) .. نسيت صديقتي الكرسي

ولم انسى جرحها لي .. او له .. اشعر كثيرا بالأندماج معه ..

لم أرض يوماً بهدر ماء وجهه .. او حتى بالجلوس عليه ..

فهو بطبيعة الحال قابل للإنهيار ..

أحدى المرات جلس أخي بغفلة مني عن حراسته .. وكُسر و وقع اخي على الأرض

.. وأحضرت عدة الإسعافات الأولية للمصاب القريب من قلبي ..

ويكاد قلبي ينفطر على ما أصابه .. عفوا ليس أخي بل الكرسي.

.لم أقلق على سلامة أخي بل على سلامة (رجلي) العجوز .. واليوم

سأبعده عني .. إلى حجرة نكدس بها الأشياء القديمة التي لا نتذكرها .. إلا عندما نحتاجها ..

دخلت الحجرة وأخترت زواية كانت فيها

آلة الخياطة القديمة لجدتي .. قبل أن يفرط بذكرياتها أخي ..

ويبيعها يوم سرت إشاعة الزئبق المفقود .. أو عفوا الأحمر ..

وعندما علمت أمي بجرم أخي .. مضت أياماً عديدة حزينة غاضبة .. لمصابها الأليم.

.وفقيدها العزيز .. و روح ذكرياتها ..

التي لا تقدر بثمن أو بحسابتنا المعروفة .. قيمتها فقط بحساب أمي ..

وكم لبست أمي احلى حللها وتباهت بقريناتها .. وقريباتها بفستان

خاطته يدي جدتي بمكينتها .. التي لم ينظر إليها أخي الا كجماد خالي من الأحاسيس ..

وكما فقدت والدتي عزيزا عليها سأفقد أنا الكرسي

.. وضعت سجادة نظيفة تحت الكرسي ثم لففته بقطعة قماش كنت أنوي خياطتها لمناسبة قريبة ..

وكأني اكفنه وأعده لقبره ..

أغلقت باب الحجرة وأنا أعتصر ألماً .. ودمعة ساخنة ذرفتها وتركتها تجف على خدي ..

ولم أخجل منها .. دخلت حجرتي بخطوات

الهزيمة والإنكسار .. وانا أتحاشى النظر لتلك الزاوية .. التي غادرها نزيلها.

.ومرت الأيام وقد تملكني الشوق وأصبحت لا أطيق

صبراً .. على فراقه .. وحسماً لقراري بأستبعاده.

.قررت شراء كرسي للأسترخاء وإضاءة مريحة بلون الغروب.

.تليق بتلك الزاوية ..

ولكني لم أرتاح للساكن الجديد .. ولم أستأمنه على هدوء أعصابي ..

شعرت بغربته .. وبأعينه تتلصص علي .. وبأذناه تجسس على

على أحادثيي وحتى لحضات سكوني .. فذلك العجوز يريحني وأشعر بسمو أخلاقه.

.أختلقت الأعذار وضخمتها .. حتى عادت

عيوب الساكن الجديد .. تحت أعين عدسة المجهر .. اتهمته وبالغت بضلمه.

.لم أحبه وهذا عذر لا يتحمله عقلي ..

وصعدت الى تلك الحجرة التي أودعت فيها ذلك العجوز.

.لأجد تللك الزواية خالية .. وعرفت حتماً بأن من يسكنها يغادر منزلنا ..

كنت غاضبة .. بل متفجرة .. كل من صادفتهم الجمتهم بلجام ثورات غضبي ..

وامتزج الصراخ بالبكاء .. واحتدم البكاء وصار النحيب ..

من حولي يضحكون من طفولتي المتاخرة .. وتفور حمم غضبي .. وقد بكيت كطفلة .. كمن تلقت الخبر المفجع ..

لم يزنوا لمشاعري اي أهمية .. والقيت على نفسي اللوم أنا من تخليت عنه بهوانه وضعفه ..

غرتني المقاعد الوثيرة ..

عن روحه الطيبة .. كنت أنانية جشعة .. والآن انا نادمة .. كل الندم ..

ولكن قد فات الأوان على الندم .. ولأكفر عن ذنبي سوف اجعل مكانه خالياً .. كما هو خالي بقلبي ..

وسأهديه هذي المدونة .. لروحة الطاهرة .. ألف تحية ..

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير