[مقال مميز - لكاتب مميز]
ـ[محمد التويجري]ــــــــ[08 - 10 - 2010, 07:55 ص]ـ
أقرأ في بعض مواقع غير الفصيح وأتصفح هنا وهناك فوقعت عيناي على مقال جميل جدا لكني فوجئت عندما عرفت صاحبه.
نعرفه جميعا ونعرف أنه موهوب في مجالات كثيرة
لكننا لم نعرف يوما أنه كاتب ذو موهبة رائعة
هذه المقالة هي خير تقديم للكاتب الدكتور مصطفى صلاح
وهدية فوق البيعة تعليقي عليها
لمحة 3
القشَّة التي قصمت ظهر البعير!
هل سمعْتُم من قَبل عن الرجل الذي طلق زوجتَه؛ لأنَّها لم تُعِدَّ له كوبًا من الشاي؟
وهل سمعتم بالذي طلَّق امرأته؛ لأنَّها أيقظَتَه في موعد غير مناسب؟!
أو الذي طلَّق؛ لأنَّها ذهبت إلى بيت أهلها دون إذنه؟
أو لأنَّها لم تَطْهُ له الطعامَ المفضَّل؟
مؤكَّد أنكم سمعتم بهذا أو ببعضه.
الآن ما هو رأيكم في مثل هذا الزوج؟
أراكم تحرِّكون رؤوسكم متعجبِّين من رُعونته، وقلَّة ورعه، وتسرُّعِه، آسِفين على البيت الذي دُمِّر، والأولاد الذين شُرِّدوا، والحياة التي هُدِمَت بسبب شيء تافه!
معقول أن يكون كوب الشاي سببًا في شتات الشَّمل، وتفرُّق الأحباب؟!
هل من الممكن أن يكون ذهاب الزوجة إلى بيت أهلها سببًا في ضياع الأولاد؟!
لكنني أريد أن ننظر لها من وجهة أخرى:
أوَّلاً: لا يُعقل أن يكون هناك زوجٌ بمثل هذه العقلية السَّطحية ليطلِّق امرأته ويهدمَ بيتَه بيديه؛ بسبب كوب شاي! فعلام تَزوَّج إذًا؟ وخطبَ وعقدَ وبنى بيتَه وأسَّسه وعمَّرَه، وقدَّم مهرَ زوجتِه، ودفعَ تكاليف عرسِه؟! ثم بعدَ ذلك يمحو كلَّ هذا بسبب كوبِ شاي!
لا يوجد أحدٌ بمثل هذه الحماقة قطعًا.
ثانيًا: " يُحكى أنَّ رَجُلاً كان لديه جملٌ فأرادَ أن يسافرَ إلى بلدةٍ ما، فجعَل يحملُ متاعًا كثيرًا فوق ظهر ذلك الجمل حتىَّ كوَّم فوقَ ظهره ما يحملُه أربعةُ جمال، فبدأ الجمل يهتزُّ من كثرة المتاع الثَّقيل، حتى أخذ الناس يصرخون في وجْه صاحب الجمل: يكفي ما حمَلْتَ عليه! إلاَّ أنَّ صاحب الجمل لم يهتمَّ، بل أخذ حزمةً من تِبْن، فجَعَلها فوق ظهر البعير، وقال: هذه خفيفة، وهي آخِر المتاع، فما كان مِن الجمَل إلاَّ أن سقَط أرضًا، فتعجَّب الناس، وقالوا: "قشَّة قصَمَت ظهر البعير"!
والحقيقة أنَّ القشة لم تكن هي التي قصمت ظهره، بل إنَّ الأحمال الثقيلة هي التي قصمَتْ ظهر البعير الذي لم يَعُد يحتمل الأمر، فسَقَط على الأرض".
تَعجُّبُ النَّاسِ من طلاقِ المرأة بسببِ كوبِ الشاي، كتعجُّبِ هؤلاءِ النَّاسِ من سقوط الجمل بسبب حزمة التِّبن الخفيفة.
هناك مثَلٌ بالعامِّية عندنا نحن المصريِّين يقول: "عدوُّك يتمنَّى لك الغلط، وحبيبك يبلع لك الزلط" [1] ( http://www.alukah.net/Social/0/25882/#_ftn1).
فلأنَّ الزوجَ حبيبُ زوجتِه، فهو يسامحها إن أخطأت في حقِّه، ويتجاوز عنه؛ حرصًا منه على بيتِه واستقرارِه، ويبلعُ لحبيبتِه الزلط؛ وهو ضرب من الأحجار.
ويظلُّ يحدُثُ الموقفُ تلو الآخر، والمصيبة تتلوها المصيبة، ويبلع المسكينُ "الزلطة" تلو الأخرى، حتى تمتلئ معدتُه عن آخرِها؛ لتقفَ في النِّهاية "زلطة" صغيرةٌ في المَرِّيء فتخنقُه وتقتلُه! ليست تلك "الزلطة" الصغيرة هي سبب مقتله قطعًا، بل السبب هو "الزلط" الكبير الذي بلعَه طول حياته.
فالزوجة حمَّلَت زوجَهَا أثقالاً بعد أثقال، حمْلٌ تنوءُ به الجمال، وهو صابرٌ محتَسِب، حتى كانت حزمة التِّبن الأخيرة، وهي رَفْضُها أن تعمل كوب الشَّاي؛ ليسقط الجمَل - أو الزَّوج - بما حملَ، ويظنُّ النَّاس - مخطئين - أنَّه سقط بسبب كوب الشاي!
[1] ( http://www.alukah.net/Social/0/25882/#_ftnref1) الزَّلَطُ: الحصى الصِّغار الملس؛ فُرِشَ الزَّلَط على الطريق تمهيدًا لتعبيده، واحدته زَلَطةٌ؛ "المعجم المحيط".
(الزَّلَطُ): الحَصى الصغارُ الملس، واحدتُهُ: زَلَطَةٌ، (د)؛ "الوسيط".
تعليق سريع على المقال
- طريقة العرض: ممتازة من حيث التنسيق والألوان وضبط الكلمات بالشكل خاصة التي تحتمل معان أخرى إذا لم تشكل وإن كان ذلك غير هام لبعض المتمرسين الذي يعتمدون على السياق في فهم المعاني لكن مراعاة الفروق الفردية بين القراء من مميزات الكاتب الجيد الذي لا يكتب لفئة معينة
يكتب لكل الناس
- التهيئة الجيدة للقارئ بإعطاء صورة غير مكتملة الملامح للموضوع وإثارة فضول القارئ ليتخيل بعد أن سيطر عليه الكاتب عن طريق التشويق بالاستهلال الجميل الذي اتخذه الكاتب وهو إثارة الأسئلة
- هل سمعْتُم من قَبل عن الرجل الذي طلق زوجتَه؛ لأنَّها لم تُعِدَّ له كوبًا من الشاي؟
- وهل سمعتم بالذي طلَّق امرأته؛ لأنَّها أيقظَتَه في موعد غير مناسب؟!
- أو الذي طلَّق؛ لأنَّها ذهبت إلى بيت أهلها دون إذنه؟
- أو لأنَّها لم تَطْهُ له الطعامَ المفضَّل؟
- الكاتب هنا أثار موضوعا اجتماعيا بطريقة أدبية فهو يدخل في باب المقال الاجتماعي لكنه لم يخف خبرة الكاتب في المناهج البحثية المعتمدة على اختيار مشكلة ثم عرض الأسباب ثم اقتراح الحلول
- قبل عرض الأسباب سرد مثلا وقصة ومن فوائد ذلك:
· التنويع الذي يضمن عدم دخول الملل بعد قراءة بعض السطور والتوقف عن الكتابة
· الاستدلال المنطقي لأسباب المشكلة قبل عرض الأسباب ليعرضها وقد ضمن نصف المسافة في طريق إقناع القارئ
- استخدام بعض العامي أعطى النص حياة خاصة وأنه يتحدث عن مواقف تحصل في الحياة اليومية ثم ختم القارئ بدليل قوي لكنه من تأليفه هذه المرة وليس مقتبسا من معنى المثل
¥