تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[الحرية تلوح في الأفق]

ـ[عبد الرحمن أحمد بخش]ــــــــ[02 - 09 - 2010, 11:36 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

قصة قصيرة (الحرية تلوح في الأفق)

لم تتحمل أذنا سامي دوي الإنفجار .. ففزع من نومه والتفت إلى أبيه وأمه .. رآهما جالسين رافعين أيديهما بالدعاء الملح .. التفتت أمه إليه وقالت له في وهن:

-عد إلى نومك يا سامي .. لازلنا في منتصف الليل.

- أمي أنا خائف. وبدت على وجهه أمارات الخوف وقد غمرت الدمعة مقلتيه.

- لا تخف .. عد إلى نومك.

لم يرد الأبوان غير أن يطمئنا ابنهما الوحيد ولم يكن لهما حيلة في ذلك إلا أن يحاولا جعله ينام .. ودوى صوت إنفجار آخر وآخر فارتمى في أحضان أمه المسكينة منفجرا بالبكاء.

قال الأب: إن جميع القطاع غارق في الظلام .. والطائرات لاتزال تقصف بضراوة ولانستطيع الاختباء في أي مكان .. قد تصيبنا قذيفة في أية لحظة. ثم أردف وقد بدا صوته مخيفا: وقد تصيبنا القنابل الفسفورية الحارقة.

ردت الأم: قل لن يصيبنا إلا ماكتب الله لنا ..

واصلت الطائرات قصفها واقتربت الانفجارات وابتعدت وتعالت أصوات سيارات الإسعاف والناس في الشوارع .. وعمت الفوضى في القطاع، وكأنه جحيم يستحيل على المرء االمكوث فيه ..

في تلك الليالي لم يهدأ بال أحد ولم يستطع النوم أحد .. وكذلك كانت تلك العائلة المنزوية في إحدى الغرف الصغيرة .. منتظرين أمام شمعة قاربت أن تذوب كليا؛ فالتيار الكهربائي قد قطعه العدو عن القطاع منذ فترة

- أمي أنا جائع جدا.

- اصبر يا سامي نحن جميعا لم نأكل غير فتات الطعام .. حاول أن تنام كي تشعر بالشبع.

دخل وقت السحر .. ثم دخل وقت صلاة الفجر ولم يسمع من الأذان إلا شبح الصوت ..

قام سامي مع أبيه .. وذهبا إلى خارج البيت .. إلى حيث ماكان مسجدا قبل ساعات أصبح الآن ركاما ولم تبقى فيه لبِنة على أخرى .. كان هناك جمع من الناس يرفعون المصاحف وما مزق منها من ورق من بين الركام وهم يكبرون تعظيما لكتاب الله الذي دنسه العدو .. ثم صلوا الفجر بجانب أنقاض المسجد .. وعاد سامي وأبوه إلى بيتهم .. بدأت أشعة الشمس إنتشارها على القطاع وأطفأ الناس شموعهم.

ولكن .. شمعة العدو لم تنطفئ .. وبدأ القصف من جديد .. وبقوة أكبر ..

كان على سامي أن يذهب إلى مدرسته ولم تكن بعيدة عن منزله فمضى إليها بعد أن ودع أبواه وقد حذراه مرارا بأن يبتعد عن الأماكن المفتوحة .. ولم ينسيا أن يدعوا الله لابنهما الوحيد بأن يحفظه الله من كل مكروه ..

كان الطريق إلى المدرسة قد تغيرت ملامحه .. ففتحت طرق جديدة وأغلقت أخرى من أثر الدمار الذي خلفه القصف المتواصل .. وكانت المحلات مغلقة وقد دُمر بعضها وكانت هناك بضع بقع حمراء كبيرة على جانبي الطريق وأصوات سيارات الإسعاف لا تتوقف ومن الأعلى كانت الطائرات تحلق وتغير .. استطاع سامي في النهاية أن يعرف طريقه وسط كل ذلك بعد أن تأخر عن المدرسة .. وعلى مرأى ناظريه رأى الطائرات وهي تُغِير على المباني أمامه .. ثم تتركها بعد مانالت منها .. توقف فجأة .. وبقي مشدوها لثواني ركض بعدها مسرعا نحو مدرسته فتسلق أكوام الدمار وتعثر ببعض الحجارة وهو يلهث .. هل ما يفكر فيه صحيح؟.

عرف الإجابة بعدما شاهد مدرسته وقد تحولت لتوها أنقاضا وبقيت بعض الغرف ببعض حوائطها وسقفها لم ينهار بعد ..

هناك .. فغر سامي فاه، ولم يصدق مارآه حيث كان الناس يجتمعون حول الأنقاض يبحثون عن الناس تحتها .. ترقرت الدموع سريعة ساخنة من عينيه إلى خديه، وقد عرف أن أصدقاءه ومدرسيه لن يراهم ثانية ..

ومن خلفه أعيد القصف .. على كل شيء وعلى أي شيء .. إنه قصف على حياة الإنسان.

عاد مسرعا إلى بيته وهو يتعثر ويسقط أحيانا ويصطدم بالناس المسرعين هنا وهناك .. وأخيرا .. وصل إلى منزله .. ففجعه المنظر؛ لقد دُمر كل شيء.

خذلته ساقاه فسقط على الأرض، وهو يذرف سيلا من الدموع الحارة، وجاء في خاطره صوت أمه: انتبه على طريقك يابني، وعد إلينا سالما حفظك الله ورعاك .. ثم تحتضنه .. كان الصوت كالطيف الذي لاح أمامه لصورة أمه .. وهو ينظر إلي الأنقاض وأطنان الحجارة التي لا ينجو من كان تحتها إلا إذا شاء الله .. علم حينها وقد تمنى أن لم يكن يعلم شيئا .. أنه لن يرى أبواه بعد الآن.

وجم هناك وجلس ساكنا تماما .. وعيناه لا تزالان تنزفان الدمع .. بغزارة كالمطر .. وبحرارة كالجمر

كان يفكر .. لكن في ماذا؟

فجأة .. توقفت دموعه .. ورفع رأسه بقوة .. ووقف على رجليه .. وشعر بقوة تجتاح جوارحه .. وهو يصرخ: أليس لنا حق في العيش؟ ألسنا أناسا؟

اندفع إلى أكوام الحجارة وأخذ منها حجرا واحدا .. لا يتعدى حجمه حجم كفه .. واندفع إلى حيث ساحات القتال وغضبه يكاد يتفجر .. هناك .. حيث كان المدافعين عن بلدهم يصارعون العدو .. برز سامي من بينهم وبدا ضئيل الجسم .. ومضى إلى حيث رأى العدو .. ووجهه أحمر ينذر من أمامه ..

رآه الجنود مندفعا نحوهم يحمل حجرا ويصيح الله أكبر .. فأصابهم الرعب ونسوا سلاحهم الذي بين أيديهم وتراجعوا. طفل ولكن في حقيقة أمره جيش يزف السلام للإنسان .. فجأة سقط سامي وحجره بيده .. ويقبض عليه بشدة .. وتحته توسعت بقعة الدم الحمراء .. إنه الموت .. لأجل الحياة .. لأجل السلام .. ولأجل الحرية .. إنها التضحية .. وإنها الشهادة.

تأليف

عبد الرحمن أحمد بخش

25/ 7/1431هـ

مكة المكرمة

أنتظر نقدكم البناء للقصة ..

ملاحظة: الشخصيات في القصة غير حقيقية والقصة بأكملها من نسج الخيال.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير