[الليل الذي قد جاء - أعظم قصة في التأريخ]
ـ[شثاث]ــــــــ[18 - 09 - 2010, 08:19 م]ـ
1 - 2
لم يتغير شيء .. كل شيءٍ على حاله .. لا زلتُ كما أنا .. نفس الملامح .. نفس القسمات .. نفس الوجه .. بل حتى الساعة المهترئة تلك التي تقيد معصمي الأيمن خلافاً لكل الناس واختلافاً عن كل الناس .. هي نفسها .. لا زالت على حالها .. عقاربها تشير إلى الواحدة منذ سرقتها من أخي .. إصلاحها يتطلب مبلغاً كبيراً يفوق الخمسين ريالاً على أقل تقدير و هو مبلغ لم يكتب له القدر تواجداً في جيبي منذ أمدٍ ليس بقريب .. نفس السيارة العزيزة على قلبي .. تلك السيارة التي تتسابق حيوانات الحارة كلابها وقططها للظفر بجزءٍ بسيط على كبوتها ليتسنى لها " التبطح " و " التشقلب " أنّى شاءت .. وبالرغم من كثرة السيارات الفاخرة في الحارة فالكرسيدات بأنواعها " الـ إكس إل والـ جي إل و الـ جي إل إكس " إلا أنها تأبى وتستميت حرباً شعواء للظفر بإطلالة فارهة على شارع الحارة عبر كبوت الكوريلا ..
نظرتُ إلى نفسي في المرآة بعد فترة انقطاعٍ طويلة دامت بيني وبين كل الأشياء من حولي؛ لم أستغرب أن تتفاجأ المرآة من تلك الإطلالة التي مضح منها الغبار .. رأيت نفس الوجه الذي كان معي منذ أشهر .. هو نفسه لم يتغير!! تعجبت إذ أنني لا زلتُ بنفس الهيئة، لم أتحول بعد إلى براد أو إلى شجرة أو حتى إلى حائط؛ رغم أنني اكتشفت حيناً من الدهر أن كل شيءٍ تغير وأن لا شيء يبقى على حاله .. كما ستكتشفون أن هذه القصة هي أعظم قصة في تأريخ الأدب العربي ..
سمعت من أحد المثقفين الذين يكثرون من قراءة الكتب أن الإنسان قد يفقد نفسه على حين غرة .. كان كلاماً كثيراً لم أفهم منه سوى تلك العبارة البسيطة .. ظللت أكررها بيني وبين نفسي لأيامٍ لا حصر لها " يفقد الإنسان نفسه – يفقد الإنسان نفسه – يفقد الإنسـ ... " فقدتُ جزءاً كبيراً من وقتي وأنا أحاول ألا أفقد نفسي .. كنت أحرص على نفسي جيداً وأشدد على أخي حينما أصطحبه معي أن يضع نصب عينيه مراقبتي جيداً حتى لا أفقد نفسي في لحظةٍ تخلو من الفطنة والنباهة وكان أخي يبلي حسناً ..
على إثر تلك النباهة التي تركزت عليَّ وأهملت ما معي فقدتُ جوالي الذي لا يرن مطلقاً سوى من تلك الرسالة الصديقة " برسالة منك تحيي آمالهم .. "، فقدت مفتاح الكوريلا، فقدت المحفظة، وبَقِيَتْ نفسي معي حتى اللحظة .. طوال تلك المدة كان والدي يسألني: فيمَ أنتَ منشغلٌ طوال الوقت؟! أذكر أنني سألته حينها كيف عرف أن هناك ما يشغلني؟ كيف عرف بالرغم من تواجدي في البيت بصفةٍ شبه مستمرة (حفاظاً على نفسي من الضياع)؟!! فذكر أنه لم يفقد من " محفظته " ريالاً واحداً منذ مدة!!
أمر على الديار ديار ليلى
أقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الديار شغفن قلبي
ولكن حب من سكن الديارا
ذات يومٍ كئيب وبينما أنا أسلك الطريق المؤدي إلى الاستراحة سمعتها من أقاصي الطريق .. يقولها ويعيدها ويزيدها ثم يلوكها ويلتّها ويعجنها ثم يتبعها بتنهيدةٍ طويلة لا تنتهي إلا بنهاية نَفَسِه .. زفرات الضياع .. تتبعت تلك الزفرات حتى وصلت إلى صاحبها الهزيل ذو القلب العليل .. لم يكن يبصر شيئاً من حوله .. حتى لحظة وقوفي أمامه لم يكن ليراني لولا أن إصبعي كادت تقتلع إحدى عينيه وأنا أشير إليه لينتبه ..
سألته ما بك؟! فأجاب مباشرةً ومن دون مقدمات: إنه الحب .. الحب .. سكتَ وسكتّ معه .. وبعد أن استغرق في التفكير قليلاً وبينما أنا أراقبه وأنا فاغر الفيه قطع حبل الصمت سؤاله المدوي: هل أحببت من قبل؟! فأجبته بلاءاتٍ عديدة ولم تكن واحدةً لتكفي بعد أن أيقنت حتماً أن الحب هو فقدان النفس والتركيز .. أخبرته أن الحب كذبة من صنع البشر .. كلامٌ مبتذل يتبادله عاشقان لا يسمن قليله ولا يغني كثيره من جوع .. قلق .. حيرة .. شكوك .. غضب .. فضول .. كل هذا يأتي به الحب من عنده .. فما حاجتك إلى وجع الرأس؟!! ما حاجتك إلى فتاةٍ تضيع وقتك آناء الليل وأطراف النهار .. فتاة توقظك من خيرةِ نومك لتسألك هل تحبها أم لا؟!! تسوق عليك أنواع السخافات وتضطر للضحك رغم أنفك كل هذا علاوةً على الذنوب والآثام .. أفق يا رجل ودع عنك الانزواء في هذا الركن الشديد و خذ جوالك واتصل عليها وقل لها أنها أسخف مخلوقةٍ على وجه البسيطة .. قلت له هيا افعل و لا تتردد .. كنت أنظر إليه وهو يحمل جواله ويحاول , بينما أنا كنت أحاول أن أسرق رقمها لأتعرف عليها فيما بعد .. أرجو ألا يسيء أحدكم ظنه بي فقد كنت أود مناصحتها فقط .. تراجع الرجل في اللحظة الأخيرة وفضّل العيش في الوهم بعد أن دعوته لينضم إلينا في الاستراحة فتعلل بالانشغال بمحبوبته التي تقضي يومها في التبضع والتنقل في الأسواق ولا تدري أين سوقه الذي يخلو من الماكياجات و ليس يمتلئ إلا بالذنب والهم والغم مع الوجه الكئيب و أبخرة دخان الدانهل الفضّي ..
ليتني فهمتُ ذلك المثقف و لما كنتُ فقدت جوالي ولا محفظتي الخالية من النقود ..
¥