تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حينَ تفرح أُمّي

ـ[نُورُ الدِّين ِ مَحْمُود]ــــــــ[15 - 09 - 2010, 02:40 ص]ـ

حينَ تفرح أُمّي

في الظلام الحالك وفي النور تشقُّ طريقها عبرَ بوابة مملكة النوم، بعدَ صِراعٍ مع كلّ القوى المادية المُسيطرة على جسدها، إلا أنَّ روحها المُتسيدة الأولى، قد اتحدت مع سموّ مشاعرها لتقوم في النهاية وهذا يحدث كلَّ يومٍ، تمرُّ من أمامِ الغرفةِ الأولى حَيْثُ الأبناءُ الصغار، تأخذ بسلةِ الألعابِ من وراء البابِ لتلملم العرائس الخشبية والأزهار البلاستيكية والمزامير مجموع الأشياء التي بين يديهم وهُم نائمون، ثمّ تطمئن على غطاءِ كلٍّ منهم، تبتسم ابتسامة لا تساويها كنوز قارون وقصْرُهُ المنيف وتُقبلُ الجبين فيهم ثُمَّ تخرج، تتعثر أقدامها الحثيثة بكتابٍ لأوسط صغارها فهو لا ينام إلا وفي يديه قصة أو مصحفٌ أو بعض رسومات للطبيعة التي حرموا منها هؤلاء الحضر، تحمد الله على أنّه ليس القرآن مَن داست عليه وقد كان كتاباً قصصيّاً، لأنّها في المرةِ الماضية بكت متألمة جداً لأنّه الذي قد كان على الأرض، كَم من مرّة حذرت صغيرها ألا ينام إلا بعد وضع كلمات الله في مكانها الصحيح إن كان يقرأها؛

خرجت واستدارت بظهرها للغرفة المطلة على الحيّ حيث كبار الأبناء، كالعادة قبل أن تفتح باب الغرفة يسارعون بغلق كل أجهزة الكهرباء بما فيها المصباح المعلق في السقف حتّى يبيّنونَ لها أنّ كلّ رغباتها وأوامرها تطبق على ما يرام، لكنها تفطن لهذا فإنهم يشعرون بوقع قدميها قبل قرع يديها للباب، فيدّعون جميعاً أنهم نائمون، ثلاثةُ شبابٍ هُم شُغلها الشاغل رغم أنّ الصغار متاعبهم أكثر إلا أن كبارها همومهم أكثر وأكثر، خاصة أن والدهم كان يعمل بقاعدة "إن أيَّ وليٍّ استطاع أن يُربّي كباره على المثالية أو شبه المثالية ديناً وخلقاً وثقافة من السهلِ عليه تربية الصغار حتّى لو لم يبذل جهداً معهم كما فعل مع فلذات أكباده الكبار"، لهذا هي دائماً تحاول تطبيق تلك الوصيّة الرنانة التي كانت تسمعها دائماً من زوجها الغائب في أي مناسبة تربوية أو مناقشة ثقافية أو أسرية؛

على عكس ما فعلته في غرفة الصغار حيث حرصت على أن لا تضغط على زر المصباح فقط أشعلتْ شمعةً صغيرة لثقتها التّامة أن الملائكة الآن ترفرف حول أطفالها ولا تريد إزعاجهم أو إفاقتهم لتدخلهم في أمور الدنيا وهُم المحلقون في عوالم لا نهائية على أجنحة الملائكة، فقد أضاءَت المصباح الأفقي والأمامي و"الأباجورات"لتصيح فيهم!!، كَم مِن مرّة أخبرتكم أن كفّوا عن التذاكي معي؟؛ ظلّوا في تظاهرٍ وادّعاءٍ أنّهم نيام، تنهدت ثم قالت: أعرف ما السبيل إلى فضِّ هذا الهُراء، نظرت إلى اللوحة الكهربائية فوجدت زر أجهزة "الحاسوب"مُضاء فوضعت يديها فوراً على الأجهزة فوجدتها أقرب لحرارة الشمس في نهارٍ حار، ضغطت زر شاشة أحد الأجهزة وجدته مفتوحاً، تبسمت فقالت: والله تستحقونَ عِقابي أيُّها المتظاهرون الأغبياء!!؛

دائماً عندما كانت تدخل غرفتهم تحمل القليل من الماء في كأسٍ زجاجي كبير في حالة عدم وجود زجاجات مملوءة في (الثلاجة)، لعلمها أن هؤلاء الساهرين هُم من قضوا على كل الزجاجات شربوها جميعاً، وضعت يديها داخل الكأس وبأعلى صوت وهي ناظرة إليهم سوف تغرقون جميعاً في بحرٍ من الماء وهذا عقابكم كتمت ابتسامتها وصمتت لعشر ثانية، نهضوا جميعاً كالذي يفزع من كابوس، محملقين في أمهم يتهتهون كأنّ بهم غصة، فأردفوا أمّاه لا تفعلي لا تفعلي نرجوكِ بالله عليك (الطقس جداً بارد) لا تفعلي، ضحكت وقالت مداعبة: هدوء أيُها الملاعين لن أنزل عليكم عقابي، خرجت من غمرة الفرحة جلست على الكرسي لتكلمهم قليلاً ولتعرف لماذا لم يناموا حتّى الآن؛

أوّل أمرٍ سألت عنهُ، أما قال لكم أخوكم القائد الهُمام الرشيد متى سيرجع اليوم؟، ردّ أحدهم: تقصدين أخونا "الطيب العبيط" وهو يبتسم، نهرتهُ وقالت أكم مِن مرّةٍ نَهيتُكَ عَن قولِ هذا، قال: ولكن يا أمّي أليس الناس وبعضاً من أفراد أسرتنا العامة يقولونَ إن أكبرَ الأخوة طيب و (عبيط)، قالت: لو أنكم ستعيشون وتفعلون وترددونَ ما يقوله الناس فوالله (لن تفلحوا إذن أبدا)، انظر يا فتى الأخ الأكبر بوجهٍ عام يكونُ طيّباً دمثَ الأخلاقِ بحكم موقعه بينكم سناً وتجاربه في الحياة وليس "عبيطا أو مجنونا"، قال آخر: ولكن يا أمي

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير