تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[احتجاج أبي قمامة الجوي]

ـ[سعيد بودبوز]ــــــــ[20 - 09 - 2010, 10:33 م]ـ

كان شديد الإضراب عن الطعام، شديد التضامن مع مُنتهي المدينة ولم يبخل عليهم بالندب والتضامن عقب كل كبيرة وحقيرة من آفات الحي الإدارية والاقتصادية والاجتماعية، أما الثقافية فمازال علمها عند الرب وحده. عندما قامت رئاسة البلدية بإنجاز مشروع الهدم المجيد الذي طال ما يسمى "دار الثقافة"، قصد تحويلها إلى "دار العجزة"، قام أبو قمامة الجوي بتنظيم تلك المسيرة السوداء التي جاءت على وزن المسيرة الخضراء وذهبت على وزن هولاكو. جاءت عملية الهدم في إطار الاستجابة الشاملة لموضة العصر الحديث ومن بينها إنشاء دور العجزة التي انتشرت في مختلف أصقاع الغرب على الأقل. ولقد كان على رئيس مجلس المدينة أن يواكب عصر العولمة على هذا الصعيد، بالإضافة إلى غير ذلك من المخططات و الأوراش المفتوحة هنا وهناك، حتى يستكمل عناصر الانفتاح بالمدينة وقيادتها على باقي الكون من خلال حسن التفاعل مع التحولات والفتوحات الحضارية العالمية. لما تناهى ما قذفته مقاليع الأحداث إلى مسامع سيادة الرئيس وعلم بأن عدد قراء المدينة لا يتجاوز نصف واحد في الألف، وأن هذا النصف لا يعدو أن ينقسم إلى نصفين فرعيين حتى تستقم النسبة في علاقتها بالواقع التعيس، لم يكن منه إلا أن أقدم على إنجاز هذا المشروع مع العلم أن النصف الفرعي (ربع القارئ في الألف) لا يقرأ غير المصحف الشريف دون أن يتمكن من فهم الفرق بين الناسخ والمنسوخ ولا التباين بين المحكم والمتشابه، بل إن ذلك لا يعنيه وكفى، أما الربع الثاني فلا يهمه أكثر من ترديد البرهوتية خلف أسراب الشياطين المفلسة مثل المعظم الماحق من منتهي الوطن و"شمكارته". لما ارتأى الرئيس بأن مواكبة الموضة الغربية الجديدة، المتمثلة في مشروع بناء دور العجزة، خطة لا بد ولا بأس منها لم يقبل الأهالي طبعا ولذلك دعوا إلى تنظيم مسيرة سوداء لكي يحتجوا من خلالها ويضعوا حدا لعجرفة الرئيس. كان أبو قمامة الجوي في مقدمة هذه المسيرة التي تقرر في ثناياها الانطلاق من قعر المدينة إلى قمة المجلس الجهوي. والحق أن الحشد لا يضم فردا واحدا له ما يكفي من العلم بأن هناك عاصمة للبلد. كان الوعي الجغرافي عند أذكى الحشد يقاس بالأمتار وليس بالفراسخ. هم يعكسون أوطانا مقتضبة وهناك من لا يفرق بين كاليفورنيا وزمبابوي، لا بل هناك من اعتقد، ذات ضلال بعيد، بأن البرتغال قبيلة تقع في هملايا على أن الأخيرة ربما توجد في السماء أو في مكان لم يصل إليه ذو القرنين في رحلة نزهته الشهيرة التي كاد يختتم وقائعها حالما ارتطم بقبيلتي ياجوج وماجوج فما بالك لو ارتطم بهؤلاء المحيطين بأبي قمامة الجوي.

زمخر الكل وزمجر الجمهور الغفير منهمرين أفواجا صوب مقر المجلس الجهوي لأسباب قد لا تكون أصلا من اختصاص هذا المجلس. لقد كان مجلس الجهة، في حقيقة الأمر، متخصصا في استيراد الخيول وتصدير البغال في إطار قانون طوارئ تم إصداره تماشيا مع ارتفاع نسبة الطلب، والتي توسعت، بطبيعة القيل والقال، في تلك الآونة الحقيرة، لتشمل حتى فئة الحمير بعد أن تأكدت بعض الدول الأجنبية من جودة الحمير التي تتم تربيتها في هذا البلد. ولذلك سمحت الدولة للمجلس الجهوي بأن يتنازل مؤقتا عن مشروع البث في جميع الملفات ما عدا البيع والشراء من هذا الطراز. كان المجلس يبعد عن نقطة اشتعال الجمهور بحوالي عشرين كيلومترا. تحرك القطيع، ولأول مرة بلغ قلب السيد رئيس البلدية حنجرته وخاف أن يؤدي ذلك إلى الإطاحة بصنمه. أما أبو قمامة فقد انبرى وحكته التجارب والنضالات فأصبح شديد الحساسية تجاه أدق الأخطاء الإدارية. حدث أن كان هو الحاصل الوحيد على الإجازة في هذه المدينة. أما غيره فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على جنبه، مثل السلطعون، ومنهم من يمشي على أربع وهكذا. على أن منهم من يطير طيرانا في غبار السماء بحيث لا يمكن الإمساك به. فهو لا يثبت على موقف ولا يستقر على رأي.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير