الاجتماع عليه، ولهذا سماه الصديق مزمار الشيطان والنبي - صلى الله عليه وسلم - أقر الجواري في الأعياد، كما في الحديث: (ليعلم المشركون أن في ديننا فسحة)، وكان لـ عائشة لعب تلعب بهن ويجئن صواحباتها من صغار النسوة يلعبن معها. وليس في حديث الجاريتين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استمع إلى ذلك، والأمر والنهي إنما يتعلق بالاستماع لا بمجرد السماع، كما في الرؤية، فإنه إنما يتعلق بقصد الرؤية، لا بما يحصل منها بغير الاختيار.
الجواب عن الشبةالتي تعلق بها المؤلف لإباحة الغناء
ثم نقل المؤلف: عن الغزالي أنه ذكر في كتاب الإحياء أحاديث غناء الجاريتين ولعب الحبشة في مسجده - صلى الله عليه وسلم - وتشجيع النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم بقوله: (دونكم يا بني أرفدة) وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لـ عائشة: تشتهين أن تنظري ووقوفه حتى تمل هي وتسأم ولعبها بالبنات هي مع صواحبها، ثم قال: فهذه الأحاديث كلها في الصحيحين، وهي نص صريح في أن الغناء واللعب ليس بحرام ... إلخ ما نقل.
والمؤلف موافق للغزالي في استدلاله بهذه الأحاديث على إباحة الغناء مطلقا؛ لأنه ساق كلامه مستشهدا به ومقررا له، ولا يخفى أن هذه الأحاديث لا تدل بوجه من الوجوه على إباحة الغناء، وإليك بيان ذلك:
أما حديث لعب الحبشة فليس فيه ذكر الغناء أصلا إنما فيه أنهم كانوا يلعبون بحرابهم ودرقهم، وذلك جائز، بل قد يكون مستحبا لما فيه من التدريب على استعمال آلات الحرب والتمرن على الجهاد.
قال النووي - رحمه الله - في شرح صحيح مسلم (6 - 184) فيه جواز اللعب بالسلاح ونحوه من آلات الحرب في المسجد ويلتحق به ما في معناه من الأسباب المعينة على الجهاد. ا هـ.
وقد ترجم عليه البخاري في صحيحه: (باب الحراب والدرق يوم العيد)
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (2 - 304) واستدل به على جواز اللعب بالسلاح على طريق التواثب للتدريب على الحرب والتنشيط عليه، واستنبط منه جواز المثاقفة، لما فيها من تمرين الأيدي على آلات الحرب. ا هـ.
هذا ما فهمه هؤلاء الأئمة الأجلاء من حديث لعب الحبشة، وهو الذي دل عليه الحديث لا ما فهمه الغزالي والمؤلف. والله أعلم
وأما حديث غناء الجاريتين فلا دلالة فيه أيضا على إباحة الغناء؛ لأنه يدل على وقوع إنشاد شيء من الشعر العربي في وصف الحرب من جاريتين صغيرتين في يوم عيد. قال العلامة ابن القيم في مدارج السالكين (1 - 493): وأعجب من هذا استدلالكم على إباحة السماع المركب مما ذكرنا من الهيئة الاجتماعية بغناء بنتين صغيرتين دون البلوغ عند امرأة صبية في يوم عيد وفرح بأبيات من أبيات العرب، في وصف الشجاعة والحروب، ومكارم الأخلاق والشيم، فأين هذا من هذا؟ والعجب أن هذا الحديث من أكبر الحجج عليهم، فإن الصديق الأكبر رضي الله عنه سمى ذلك مزمورا من مزامير الشيطان، وأقره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على هذه التسمية، ورخص فيه لجويريتين غير مكلفتين، ولا مفسدة في إنشادهما، ولا استماعهما، أفيدل هذا على إباحة ما تعملونه وتعلمونه من السماع المشتمل على ما لا يخفى؟ فسبحان الله كيف ضلت العقول والأفهام؟ ا هـ.
وقال ابن الجوزي في كتاب تلبيس إبليس صفحة (217): والظاهر من هاتين الجاريتين صغر السن؛ لأن عائشة كانت صغيرة، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسرب إليها الجواري فيلعبن معها، ثم ذكر بسنده عن أحمد بن حنبل أنه سئل أي شيء هذا الغناء قال غناء الركب: أتيناكم أتيناكم، ثم قال ابن الجوزي في صفحة (229) من الكتاب المذكور: أما حديث عائشة رضي الله عنها، فقد سبق الكلام عليهما، وبينا أنهم كانوا ينشدون الشعر، وسمي بذلك غناء لنوع يثبت في الإنشاد وترجيع، ومثل ذلك لا يخرج الطباع عن الاعتدال، وكيف يحتج بذلك في الزمان السليم عند قلوب صافية على هذه الأصوات المطربة الواقعة في زمان كدر عند نفوس قد تملكها الهوى، ما هذا إلا مغالطة للفهم، أوليس قد صح في الحديث عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: لو رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أحدث النساء لمنعهن المساجد، وإنما ينبغي للمفتي أن يزن الأحوال، كما ينبغي للطبيب أن يزن الزمان والسن والبلد، ثم يصف على مقدار ذلك، وأين
¥