خبت منها شجاعتهم و ألقوا ** بأسلحة ٍ فما نفع اتِّقاءِ
وقال كبيرهم للبيت رب ٌّ ** شديد البطش مرهوب الجزاء ِ
سيحميه فيأخذهم سريعاً ** فترميهم أبابيبل السماء ِ
فيغشى الخوف إبرهة وجيشاً ** فكل جنوده دون النجاءِ
طفولة النبي صلى الله عليه وسلم
وسل عن آل سعد حين جاؤوا ** قريشاً للرضاعة والغناءِ
وذاقوا القحط مرّاً في البوادي ** و أثديةٌ تغيض وضرع شاءِ
فلا ألبان نسوتهم تلبِّي ** لبانة رضَّعاً بعد البكاءِ
وكم عرض اليتيم على نساءٍ ** فتأبى حمله كل النساءِ
فتأخذه السعيدة حمل كرهٍ ** فتغدو في النعيم وفي الهناءِ
وما عرفت بأن السعد آت ٍ ** على يد أحمد ٍ ماحي العناءِ
فتحفل شاتها لبنا ولحما ً ** تعود من البلاقع بامْتلاءِ
فدَّرتْ ميرةً ورأتْ عجيبا ً ** من البركات من بعد البلاءِ
فتسأل أمه والجد مهلاً ** نعود به وألقت بالرجاء ِ
تقول بأنه طفلٌ صغيرٌ ** بحاجة أرض بدوٍ لا الرخاءِ
يزيد فصاحةً ويزيد بأساً ** يشبُّ بقوةٍ بين الرعاءِ
فتأخذه بحضن ٍ ثمَّ ضمٍّ ** وآبتْ بالسعادة والعطاءِ
أجاء إليه جبريلٌ بيومٍ ** بأمر الله ينزل من سماءِ
يغسِّل قلبه ويشقُّ صدراً ** فأفزع فعله من كان رائي
فتجري بعده الصبيان رعباً ** وكاد يصيبها بعض الهذاءِ
طوى البيداء و الأطفال تحكي ** عن الأمر الجليل بلا مراءِ
فترجعه لمكة إثر خوف ٍ ** على الطفل اليتيم من ابْتلاءِ
وما تنسى حليمة خير طفلٍ ** وتذكر خيره زاكي النماءِ
وآمنة الحنون تعدُّ رحلاً ** لعبدالله تعزم بالوفاءِ
فتصحب أحمداً والجدُّ أمسى ** عليل الشوق يطمع في اللقاءِ
لقد رحل الثلاثة في اشتدادٍ ** من الآلام رغباً في الْتقاءِ
وأمُّ محمدٍ بالحب تطوي ** صحاري الوجد تبحث عن عزاءِ
على قبر الفقيد بكت طويلاً ** تخبِّر زوجها تحت الحياءِ
وزاد سقامها واشْتدَّ وطئً ** فيطوي الموت آمنة الزكاءِ
وصار بحضن شيخٍ ذي جلالٍ ** وسيِّد معشرٍ برٍّ كَفاءِ
فبات معزَّزاً في ظلِّ أهلٍ ** كرام ٍ سادة ٍ وذوي علاءِ
وأعطاه الكبيرُ كبيرَ عطفٍ ** فخصَّ حفيده بعض العطاءِ
يدوس على البساط جوار بيت ٍ ** فيزجره الكبار إلى التنائي
تفرَّس في الحفيد جليل قدرٍ ** فيمسح رأسه بيد انْتقاءِ
ولمَّا قد أحسَّ الموت داني ** إلى الشيخ العجوز وكان نائي
يُوكّله إلى عمٍّ رحيم ٍ ** نمى في بيته خير النماءِ
وكان يضيق عنه الرزق لكنْ ** بسيط القلب موفور الإباءِ
مهابٌ في قريشٍ رغم فقرٍ ** ويمسك بالزعامة والسقاءِ
يرى ابْنَ أخيه كنزاً من صفاتٍ ** جميل الطبع موصوف النقاءِ
تجلُّ الطفل مكَّةُ والأناسي ** فلقِّب بالأمين من الذماءِ
ويزهو الهشم فيه بكل نادٍ ** فترفعه الخلال إلى ارْتقاءِ
وصاحب عمَّه مذ كان طفلا ً ** على ظهر القوافل في الشتاءِ
ونحو الشام قد عزموا وساروا ** بقافلة التجارة والزكاءِ
ويمضي في طريق الشام بدرٌ ** تظلٌ سحابةٌ بدر السناءِ
تظلّله تقيه حرور شمسٍ ** متيَّمة ً به عند التقاءِ
رأى الرهبان ما قد كان منها ** وفيه يرون بشرى الأنبياءِ
فقال لعمه رهبان بصرى ** لترجعْ بالغلام عن العداءِ
حذارِ من اليهود ومن أذاهمْ ** ولا تلقيه عند الأقرباءِ
شباب النبي (صلى الله عليه وسلم)
ويرعى في قراريطٍ و وادي ** نعاجاً مثلَ كلِّ الأنبياءِ
يساعد عمَّه في جلبِ قوتٍ ** فليس بعالةٍ بل ذو عطاءِ
وذاع بأنه لفتىً صدوقٌ ** أمينٌ في التجارة ذو وفاءِ
حبيبٌ للخلائق والبرايا ** محبٌّ للمكارم ذو حياءِ
رؤوفٌ بالبهائم حين يرعى ** وذو جلدٍ وصبرٍ في البلاءِ
رفيعٌ في الحواضر والبوادي ** عفيفُ النفس موسومُ النقاءِ
وبسَّامٌ صبيح الوجه تلقى ** بشاشتُه المُقاربَ والمُنائي
- وطاف على الشعاب وفي بيوتٍ ** حديثُ الناس عن حسن الصفاءِ
وكم يروون عن حكمٍ عدولٍ ** أتى فكأنه عدل السماءِ
أو الأمطار تهطل من غمامٍ ** تصاب به الحرائق بانْطفاءِ
قبائل من قريشٍ في جدالٍ ** على الحجر الشريف من البناءِ
رؤوسهمو تحاول منه مجداً ** وتشريفاً لتجنح بالعلاءِ
وبعد الشدِّ في قولٍ وجذبٍ ** وأخذٍ ثمَّ ردٍّ في المراءِ
تعاهدت الخصوم على اتفاقٍ ** وأوَّلُ داخلاً فصْلُ القضاءِ
فجاء محمدٌ فالناس ترضى ** فتى الأخلاق يفصل بالرضاءِ
فيأخذ بردة ويقول هاتوا ** أياديكم إلى حجر البهاءِ
رضوا فتقاسموا في الحَمْلِ مجداً ** ونال الكلَّ من حصص ارْتقاءِ
¥