فلا عجب أن يكون طعم الأشياء ممرًا فى حلقه، فلا يفرح للمناسبات السعيدة التى يفرح لها الناس:
ما العيد والقدس فى الأغلال رازحة
والمسلمات سبيَّاتٌ لفساقِ؟! (20)
ونحن نعلم أن الشاعر لم يهجر وطنه غضبًا لنفسه لمنصب لم ينله، أو مكانة فائتة، وكان حريصًا على الظفر بها، ولكنه هاجر واغترب؛ لأنه رفض الخنا والظلم، وأن يساير طلاب الدنيا، وأعداء الحق والدين والقيم الإنسانية، فانطلق يضرب فى فجاج الأرض يجاهد «بالكلمة الحرة» شعرًا ونثرًا، مصورًا آلامه ومعاناته، معبرًا عن مشاعره التى أثقلتها النكبات التى تنزل بالأمة، ومنها ما هو من صنع الكبار والقادة، داعيًا إلى الجهاد بكل الوسائل والآليات، باعثًا أمجاد الأمة، وتراثها الحضاري، متبنيا «الفقه الحضاري الإسلامي»، فكان إبداعه نماذج عليا «للأدب الإسلامي» الذى ندعو به وإليه، وجمع بكتاباته وشعره بين شخصية الأديب الفذ، والداعية المخلص لدينه، وأمته، والقيم الإنسانية الشامخة.
نثريات رائعة في شعره
ومن قبيل الاعتراف بالفضل لأصحابه، وتقديرًا لهذا الشاعر الداعية العظيم، ننوه بجديد أرى أنه رائده أو من رواده، وهو تصدير قصائده بمقدمات نثرية تعايش جو القصيدة - فى أكثر من موضع منها - بأسطر من هذه القطع النثرية الراقية، ومن أمثلة هذه النثائر ما صدَّر به قصيدته «غربة الروح» (21).
فى الأندلس مجد وأى مجد ما تزال آثاره ماثلة
تضحك وتبكى
عدت من قرطبة وأشبيلية وغرناطة إلى مدريد
تنشج الحسرة فى زفراتي
ويكاد طموحي الحيران
يخرج بي عن إهاب الإنسان
والجمال ... والكبت .. والحرمان
بركان ..
عيون بلا خَفَر
كأنها خمر من جمْر
تشربك .. ولا تشربها!!
عدت إلى «مدريد»
إلى غربتي .. وحرقتي .. ونجواي ..
وقد تكون النثيرة مستقلة تمثل عملاً فنيًا كاملاً، كالنثيرة التى جعل عنوانها (أدركت .. فبكت) (22)، وقد ذكر الشاعر أنه كتبها فى حلب سنة 1364ه، وذكر فى تصديرها «أنها تحكي قصة رؤيا كان هو المتكلم الوحيد لأمه، أما هى فكانت تعبر عن مرادها بما ينطبع على قسمات وجهها من مشاعر، ثم بما لاح فى عينيها من دموع، ثم ينهي تصديره بقوله: «إنه ليس بشعر، ولكنه زاخر بالمشاعر».
وهى تتفوق على ما يسميه الحداثيون «قصيدة النثر»، وقد رأينا نماذجها مثقلة بالغموض والإبهام والرموز، كما أنها تُؤدَّى غالبًا بأسلوب هابط.
رحم الله الأميرى، وجزاه الله خيرًا عن الإسلام والأمة والفكر الشامخ، والأدب الرفيع.
ـ[الحارث السماوي]ــــــــ[09 - 01 - 2007, 03:15 م]ـ
جزيت اخي خير الجزاء
ساعة كامله وأنا اقرأ الموضوع وكلما قرأت الفقرة الاولى دعتني نفسي إلى قراءة الفقره التي تليها وهكذا
والله إني لاأسف على عدم معرفتي بالشاعر-عليه رحمة الله -من قبل
فشكراً لك شكراً شكراً
ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[09 - 01 - 2007, 05:55 م]ـ
حياك الله أخي الكريم الحارث.وهذه فائدة مثل هذه المواقع الجميلة.
ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[09 - 01 - 2007, 07:19 م]ـ
وهذه واحدة من قصائد الأميري رحمه الله
كلما أمعن الدجى و تحالك=شمت في غوره الرهيب جلالك
و تراءت لعين قلبي برايا=من جمال آنست فيها جمالك
و ترامى لمسمع الروح همس=من شفاه النجوم يتلو الثنا لك
و اعتراني توله و خشوع=و احتواني الشعور أني حيالك
ما تمالكت أن يخر كياني=ساجدا واجدا .. و من يتمالك