تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يصلاها .. ويجأرْ

ضارعًا لا ينثنى

يمعنُ فى الزحف المظفّرْ

صائحًا: الله أكبر

أزلاً: الله أكبر

أبدًا: الله أكبر

باسمه نعلو ونُنْصَرْ (14)

شعر الاغتراب

شعر الاغتراب لون واضح القسمات فى أدبنا العربى مثل شعر الغزل، وشعر الرثاء، وشعر المديح، وشعر الفخر، بل لعله يتميز بملامح قلما تكاملت فى لون من الألوان الأخرى (15).

ولا يختلف اثنان فى أنه أصدق ألوان الشعر تعبيرًا عن لواعج النفس بسبب الفراق والحنين إلى الأهل والأوطان، ومدارج الصبا، ومراتع الشباب، ومصدر كل أولئك - كما يقول الجاحظ: «توقد النار فى الأكباد» (16).

ويعتبر شعر الغربة من الأغراض الغالبة فى دواوين الأميرى، وكل قصائد الغربة التى نظمها تلتقى فى ملامح مشتركة تتلخص فيما يأتى:

1 - انطلاقها - فى أغلبها - من بلاد غير موطن الشاعر، مثل: لبنان، والمغرب، والجزائر، وباكستان، والسعودية، واليمن، وهى البلاد التى قضى فيها الشاعر أغلب عمره الشعرى.

2 - تصويرها لواعج النفس وأساها بسبب الفراق، أو لوضع سياسى أو اجتماعى مؤسف.

3 - صدق الانفعال، وتوهج الشعور، وخصوصًا فى أوقات الأزمات النفسية الخاصة، أو النكبات التى تنزل بالأمة الإسلامية.

4 - الحس الديني المتدفق، فلا تكاد قصيدة من قصائد الغربة تخلو من بصمات الدين ومشاعر الإيمان.

5 - انتهاء القصيدة غالبًا بالنظرة الآملة الطامحة.

وهذه الملامح المشتركة لا تنفى طبعًا ما بين قصائد الغربة من سمات وملامح فارقة.

وباستقراء شعر الغربة عند الأميرى - ارتباطًا بالمسيرة الزمنية، أو العمر الشعرى، وهو يزيد على نصف قرن من الزمن - نرى أن قصيدة الغربة يمكن توزيعها على ثلاث مراحل زمنية متتابعة، كان لها فى كل مرحلة " شخصيتها الفنية المتميزة "، مع الاعتراف طبعًا بنقاط التلاقى التى ذكرناها آنفًا:

- ففى المرحلة الأولى: كانت قصيدة الغربة الحنين.

- وفى المرحلة الثانية: كانت قصيدة الغربة المزيج.

وهى التى تجمع بين الحنين والأشواق الخاصة من ناحية، والشعور بالغربة والألم الحاد لما يصيب الأمة من عدوان وانكسارات من ناحية أخرى.

- وفى المرحلة الثالثة: كانت قصيدة الغربة الروحية، وهى القصيدة التى يرتد فيها الشاعر إلى ذاته، ليصبح إحساسه بالغربة هنا إحساسًا نوريًا، يمتح من صفاء روحى موار، ويستظل بمقام رفيع تنمحى فيه الزمانية والمكانية، كما نرى فى قصيدته (حلم بين صحوتين) (17)، إذ نحس بنبرة الشاعر دامعة دامية، وهو يعبر عن حدة غربته:

واغربتى بين الدُّنا

أحيا المكابدةَ الأبيةْ

وأنا رهين المشرقيةِ

فى الديار المغربيةْ

وكأننى بين الصخور

لموج مُعْتَزَلِى رميّةْ

ولا يجد الشاعر المسعفَ المنقذ هذه المرة فى لقيا الأهل والأبناء والأحقاد، ولكن فى «التجلى»، وتخليص الروح من رينها، والأثقال التى تنوء بها.

أين التجلى يرتقى بى

فى معارجه العلية؟

أين الصفاء لليلة

القدرِ المباركة الصفيةْ

أين السعادة يا إلهي

فى عوالمنا الشقية؟

ويهمنا - بصفة خاصة النوع الثانى من قصائد الغربة، ففى هذا النوع ينطلق الشاعر من الخاص إلى العام، ومن المحدود إلى الواسع الرحيب كما نرى فى الأبيات التالية من إحدى قصائده التى نظمها فى «هرهورة» بالمغرب:

وحيدًا مع الذكرى وللهمِّ .. زأْرةٌ

صخوب يؤج الروْع من أزْلِها ضُرَّا

ففى أسرتى - والشرق والغرب دارها

أفانين من لأْواءَ ما يوقر الظهرا

وفى أمتى فتكُ التناحر دائب

ضروسٌ إلى الخسرانِ يأطرُها أطرا

وفى بلدى - واجرح قلبى ومهجتى

على بلدى - غَشْم تفاقم واستشرى (18)

وكثيرًا ما كان يفضل ذكر أسرته وأهله، ويفرد قصيدة الغربة لآلامه الحادة التى تستبد به، وتأخذ بخناقه، وتتركه فى حالة يرثى لها بسبب ما نزل بالأمة والدين، فيقول فى قصيدة (نجاوى سجينة) (19).

جلست وفى الرأس من همةِ

النفوس الكبار نجاوى سجينةْ

أفكر فى أمر دينى وقومى

وأدْمُعُ عينيَّ حرّى دفينة

وطرفيَ يرنو وراء المدى

وللحب أنوار كشفِ مبينة

وكنت من الهم فى شرْدةٍ

تلم برأسى طيوف حزينة

كأنيَ ألمح فى عاصفاتِ

العباب تعثر جرْي السفينة

وألقي بنفسي حنانًا عليها

لأوثقها بالحبال المتينة ...

فيرتد للصحو بى مفزعا

يطير بوجهي حمامُ المدينةْ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير