ويَقْصُرُ عَن إِدرَاكه المُتناوِل
وَلَمَّا رَأيتُ الجَهلَ فِي النَّاسِ فَاشِياً
تَجاهَلْتُ حَتَّى ظُنَّ أَنِّيَ جَاهِل
فَوا عَجَبا كَم يَدَّعِي الفَضْل نَاقِصٌ
وَوَا أَسَفا كَم يُظْهِرُ النَّقصَ فَاضِل
وَكَيف تَنامُ الطَّيرُ فِي وُكُناتِها
وَقَد نُصِبَتْ للفَرْقَدَيْنِ الحَبائِل
يُنَافسُ يوْمِي فِيَّ أَمسِي تَشرّفاً
وتَحسدُ أسْحَارِي عَليَّ الأَصَائِل
وَطَال اعتِرافِي بِالزَّمانِ وصَرفِه
فَلَستُ أُبَالِي مَنْ تَغُولُ الغَوَائِل
فَلَو بَانَ عَضْدِي مَا تَأسَّفَ مَنْكِبِي
وَلَو مَاتَ زَنْدِي مَا بَكَتْه الأَنَامِل
إِذا وَصَفَ الطَّائِيَّ بالبُخْلِ مَادِرٌ
وعَيَّرَ قُسّاًً بالفَهاهةِ بَاقِل
وَقَال السُّهَى للشَّمس أنْتِ خَفِيّةٌ
وَقَال الدُّجَى يَا صُبْحُ لَونُكَ حَائِل
وَطاوَلَتِ الأَرضُ السَّماءَ سَفاهَةً
وَفَاخَرَتِ الشُّهْبُ الحَصَى والجَنادِل
فَيا مَوْتُ زُرْ إِنَّ الحَياةَ ذَمِيمَةٌ
وَيَا نَفْسُ جِدِّي إِنَّ دَهرَكِ هَازِل
وَقَد أغْتَدِي واللَّيلُ يَبكِي تَأسُّفاً
عَلى نفْسِهِ والنَّجْمُ فِي الغَرْبِ مَائِل
بِريحٍ أُعيرَتْ حَافِراً مِن زَبَرْجَدٍ
لَهَا التّبرُ جِسْمٌ واللُّجَيْنُ خَلاخِل
كَأنَّ الصَّبا أَلقَتْ إِلَيَّ عِنانَها
تَخُبّ بِسَرْجِي مَرّةً وتُناقِل
إِذا اشتَاقَتِ الخَيلُ المَنَاهلَ أعرَضَتْ
عنِ المَاء فَاشتَاقتْ إِليهَا المَناهِل
وَليْلان حَالٍ بالكَوَاكبِ جَوْزُهُ
وَآخرُ مِن حَلْيِ الكَوَاكبِ عَاطِل
كَأنَّ دُجَاهُ الهجْرُ والصُّبْحُ موْعِدٌ
بوَصْلٍ وضَوْءُ الفَجرِ حِبٌّ مُمَاطِل
قَطَعْتُ بِهِ بَحْراً يَعُبّ عُبَابُه
وَلَيسَ لَه إِلاَّ التَّبَلّجَ سَاحِل
وَيُؤنِسُنِي فِي قَلْبِ كُلّ مَخوفَةٍ
حَلِيفُ سُرَىً لَم تَصْحُ مِنهُ الشَّمائِل
مِن الزِّنْجِ كَهلٌ شَابَ مَفرِقُ رَأسِه
وَأُوثِقَ حَتَّى نَهْضُهُ مُتَثاقِل
كَأَنَّ الثُّرَيَّا والصَّباحُ يَرُوعُها
أَخُو سَقْطَةٍ أَو ظَالعٌ مُتَحامِل
إِذا أَنْتَ أُعْطِيتَ السَّعادَة لَم تُبَلْ
وَإِنْ نَظرَتْ شَزْراً إِلَيكَ القَبائِل
تَقَتْكَ عَلى أَكتافِ أبطَالهَا القَنا
وَهَابَتْكَ فِي أغمَادهِنَّ المَناصِل
وَإِنْ سَدَّدَ الأَعداءُ نَحوَكَ أسْهُماً
نكَصْنَ عَلى أَفْواقِهِنَّ المَعابِل
تَحَامَى الرَّزَايا كُلَّ خُفّ وَمَنْسِم
وَتَلْقَى رَدَاهُنَّ الذُّرَى والكَواهِل
وَتَرْجِعُ أعقَابُ الرِّمَاحِ سَليمَةً
وَقَد حُطِمتْ فِي الدَّارِعينَ العَوامِل
فَإِن كنْتَ تَبْغِي العِزَّ فَابْغِ تَوَسّطاً
فَعندَ التَّناهِي يَقْصُرُ المُتطَاوِل
تَوَقَّى البُدُورٌ النقصَ وَهْيَ أهِلَّةٌ
ويُدْرِكُها النُّقْصانُ وَهْيَ كَوَامِل
ـ[الحارث السماوي]ــــــــ[17 - 01 - 2007, 08:11 م]ـ
قصدة المتنبي في هجاء كافور ((عيد بأية عدت يا عيد))
عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ
بِمَا مَضَى أمْ لأمْرٍ فيكَ تجْديدُ
أمّا الأحِبّةُ فالبَيْداءُ دونَهُمُ
فَلَيتَ دونَكَ بِيداً دونَهَا بِيدُ
لَوْلا العُلى لَمْ تجُبْ بي ما أجوبُ بِهَا
وَجْنَاءُ حَرْفٌ وَلا جَرْداءُ قَيْدودُ
وَكَانَ أطيَبَ مِنْ سَيفي مُعانَقَةً
أشْبَاهُ رَوْنَقِهِ الغِيدُ الأمَاليدُ
لَمْ يَترُكِ الدّهْرُ مِنْ قَلبي وَلا كَبِدي
شَيْئًا تُتَيّمُهُ عَينٌ وَلا جِيدُ
يا سَاقِيَيَّ أخَمْرٌ فِي كُؤوسكُما
أَمْ فِي كُؤوسِكُمَا هَمٌّ وَتَسهيدُ؟
أصَخْرَةٌ أنَا، ما لي لا تُحَرّكُني
هَذِي المُدامُ وَلا هَذي الأغَارِيدُ
إذا أرَدْتُ كُمَيْتَ اللّوْنِ صَافِيَةً
وَجَدْتُهَا وَحَبيبُ النّفسِ مَفقُودُ
ماذا لَقيتُ منَ الدّنْيَا وَأعْجَبُهُ
أَنِّي بِمَا أنَا شاكٍ مِنْهُ مَحْسُودُ
أمْسَيْتُ أرْوَحَ مُثْرٍ خَازِناً وَيَداً
أنَا الغَنيّ وَأمْوَالي المَوَاعِيدُ
إنّي نَزَلْتُ بكَذّابِينَ، ضَيْفُهُمُ
عَنِ القِرَى وَعَنِ الترْحالِ محْدُودُ
جودُ الرّجالِ من الأيدي وَجُودُهُمُ
منَ اللّسانِ، فَلا كانوا وَلا الجُودُ
ما يَقبضُ المَوْتُ نَفساً مِنْ نفوسِهِمُ
إلاّ وَفِي يَدِهِ مِنْ نَتْنِهَا عُودُ
أكُلّمَا اغتَالَ عَبدُ السّوْءِ سَيّدَهُ
أَوْ خَانَهُ فَلَهُ فِي مصرَ تَمْهِيدُ
صَارَ الخَصِيّ إمَامَ الآبِقِينَ بِهَا
فَالحُرّ مُسْتَعْبَدٌ وَالعَبْدُ مَعْبُودُ
نَامَتْ نَوَاطِيرُ مِصرٍ عَنْ ثَعَالِبِها
فَقَدْ بَشِمْنَ وَما تَفنى العَنَاقيدُ
العَبْدُ لَيْسَ لِحُرٍّ صَالِحٍ بأخٍ
لَوْ أنّهُ فِي ثِيَابِ الحُرّ مَوْلُودُ
لا تَشْتَرِ العَبْدَ إلاّ وَالعَصَا مَعَهُ
إنّ العَبيدَ لأنْجَاسٌ مَنَاكِيدُ
ما كُنتُ أحْسَبُني أحْيَا إلى زَمَنٍ
يُسِيءُ بي فيهِ عَبْدٌ وَهْوَ مَحْمُودُ
ولا تَوَهّمْتُ أنّ النّاسَ قَدْ فُقِدوا
وَأنّ مِثْلَ أبي البَيْضاءِ مَوْجودُ
وَأنّ ذا الأسْوَدَ المَثْقُوبَ مَشْفَرُهُ
تُطيعُهُ ذي العَضَاريطُ الرّعَادِيدُ
جَوْعانُ يأكُلُ مِنْ زادي وَيُمسِكني
لكَيْ يُقالَ عَظيمُ القَدرِ مَقْصُودُ
وَيْلُمِّهَا خُطّةً وَيْلُمِّ قَابِلِهَا
لِمِثْلِها خُلِقَ المَهْرِيّةُ القُودُ
وَعِنْدَها لَذّ طَعْمَ المَوْتِ شَارِبُهُ
إنّ المَنِيّةَ عِنْدَ الذّلّ قِنْديدُ
مَنْ عَلّمَ الأسْوَدَ المَخصِيّ مكرُمَةً
أقَوْمُهُ البِيضُ أمْ آبَاؤهُ الصِّيدُ
أَمْ أُذْنُهُ فِي يَدِ النّخّاسِ دامِيَةً
أَمْ قَدْرُهُ وَهْوَ بالفِلْسَينِ مَرْدودُ
أوْلى اللّئَامِ كُوَيْفِيرٌ بِمَعْذِرَةٍ
فِي كلّ لُؤمٍ، وَبَعضُ العُذرِ تَفنيدُ
وَذاكَ أنّ الفُحُولَ البِيضَ عاجِزَةٌ
عنِ الجَميلِ فكَيفَ الخِصْيةُ السّودُ؟
¥