ابن أبي هاشم: فليدخل بعضكم فإن حجرته لن تسعكم جميعاً.
الكبير: أجل سندخل نحن السبعة إليه.
(يدخل سبعة رجال فيهم أبو يوسف)
الكبير: السلام عليك يا أبا العلاء.
أبو العلاء: وعليكم السلام .. خيراً إن شاء الله.
الكبير: قد رأيت ما نحن فيه اليوم، وليس للأمير صالح بن مرداس غيرك يا أبا العلاء.
أبو العلاء: ويحكم ماذا يستطيع شيخ ضرير مثلي أن يصنع؟
الكبير: إن لك مكانة عنده فاخرج إليه واشفع لأهل بلدك.
أبو العلاء: لكني لا أعرفه ولا هو يعرفني، فكيف ترجون أن يقبل شفاعتي؟
أبو يوسف: لا تعتذر يا أبا العلاء، فكما أوقدت أنت الفتنة. فحق عليك أن تطفئها!
أبو العلاء: أ أبو يوسف هذا؟
أبو يوسف: نعم.
أبو العلاء: يغفر الله لك يا أبا يوسف، هل يقدر مثلي أن يوقد أو يطفئ؟
أبو يوسف: نعم أنت الذي أوعزت إلى تلك المرأة ففعلت ما فعلت .. لقد رأيتها ضحى الجمعة عندك.
أبو العلاء: سامحك الله، فقل لهم إذن يستشفعوا بغيري فإن الأمير لن يقبل لموقد الفتنة شفاعة.
الجميع: كلا يا أبا العلاء، أنا لا نعتقد ذلك اسكت، أنت يا أبا يوسف.
أبو العلاء: لم لا توفدون أبا يوسف، فإنه لأوجه مني وأرجى أن يأتيكم بعفو الأمير.
الجميع: كلا لا نريد سواك.
الكير: أنت رجل هذه المدينة، ولن يحترم الأمير صالح غيرك.
الجميع: افعل يا أبا العلاء وارحم قومك وأهل بلدك.
أبو العلاء: انتظروني إذن لأصلح ثيابي (ينهض ويتوجه نحو الباب الأيسر ليخرج).
الجميع: ابقاك الله يا أبا العلاء.
...
(في معسكر صالح بن مرداس خارج المدينة)
أحد رجاله: عجباً .. هذا باب المدينة قد فتح أيها الأمير!
آخر: وخرج منها رجل يقاد كأنه أهمى!
صالح: ويلكم بطلوا القتال!
أصوات: (من كل جانب) بطلوا القتال! بطلوا القتال!
صالح: أن يصدق ظني فهذا أبو العلاء الشاعر.
الأول: أبو العلاء الزنديق؟
صالح: قبحك الله .. ما أنت وذاك؟
الأول: معذرة يا سيدي الأمير .. هكذا يقال.
صالح: زنديق أو غير زنديق .. إنه من أعاظم الرجال. استقبلوه لنرى في أي أمر جاء.
(يقبل أبو العلاء يقوده ابن أبي هاشم)
أبو العلاء: السلام عليك أيها الأمير الجليل!
صالح: وعليك السلام .. أأنت الشيخ أبو العلاء؟
أبو العلاء: نعم يا سيدي، هكذا يدعوني الناس.
دعيت أبا العلاء وذاك مين ولكن الصحيح أبو النزول
صالح: بل أنت أبو العلاء حقاً وابو الصيت الطائر والشرف الباذخ (يصافحه ثم يجلسه إلى جانبه).
أبو العلاء: رعاك الله يا ابن مرداس يا سيد الناس.
صالح: مرحباً بك هل من حاجة فاقضيها لك؟
أبو العلاء: أجل يا سيدي الأمير، حاجة مائة ألف من شيوخ ونساء وأطفال كلهم يرجو عظيم عفوك.
صالح: ألم تعلم بما جنى سفهاؤهم؟
أبو العلاء: بلى يا سيدي الأمير .. لولا هذه الجناية ما خرجت اليوم من حيث حبست نفسي منذ نيف وأربعين عاماً لأرجع من عندك بعفو يشمل الجناة الذين ندموا على ما فرط منهم والأبرياء الذين صلوا بحر نار لم يوقدوها!
صالح: هذه أول مرة تخرج من دارك؟
ابو العلاء: إي والله وسأرجع إليها بعفوك، ولن أخرج منها أبقاك الله إلا محمولاً على الآلة الحدباء، إلى حيث يطول الثواء وتنقطع الأنباء وإلى الله المصير.
صالح: قد والله أنلتني شرفاً باقياً ما بقي للشعر رواة في الدهر! ولكن قومك يا أبا العلاء قدا جاءوا أمراً إدا.
أبو العلاء: الأمير أطال الله بقاءه كالسيف القاطع لأن متنه وخشن حداه وكالنهار المائع قاظ وسطه وطاب أبراده. خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين.
صالح: قد وهبتها لك يا أبا العلاء.
أبو العلاء: وهب الله لك خير الدنيا وخير الآخرة.
صالح: أفلا تنشدنا شعرك؟
أبو العلاء: يا سيدي الأمير لو تقدم مثولي بين يديك لأثنيت عليك بما تحسدني عليه فحول شعراء العرب .. أما اليوم فقد حال الجريض دون القريض.
صالح: إني لمن رواة ديوانك سقط الزند.
أبو العلاء: قد كبا ذلك الزند أيها الأمير فلم يعد يورى وما بقي إلا لزوم ما لم يكن لازماً من قيود الزمان والمكان حتى يبلغ الكتاب أجله.
صالح: فانشد من لزومياتك ليكون لنا شرف روايته عنك.
أبو العلاء: بل يشرف الشعر بروايتك أيها الأمير.
صالح: علي بالقرطاس والقلم! (يحضرون له القرطاس والقلم)
أبو العلاء: (يرتجل وصالح يكتب).
تغيبت في منزلي برهة =ستير العيوب فقيد الحسد
فلما انقضى العمر إلا الأقل =وحم لروحي فراق الجسد
بعثت شفيعاً إلى صالح =وذاك من القوم رأي فسد
فيسمع مني سجع الحمام =واسمع منه زئير الأسد
فلا يعجبني هذا النفاق = فكم نفقت محنة ما كسد
صالح: لله درك يا أبا العلاء ما أحسن والله ما ارتجلت اللهم إلا قولك:
فيسمع مني سجع الحمام =واسمع منه زئير الأسد
أبو العلاء: فيم يا سيدي الأمير؟
صالح: نحن الذين تسمع منا سجع الحمام وأنت الذي نسمع منك زئير الأسد. ارجع يا أسد المعرة بالأمان لأهلها وأوصهم إلا يتعرضوا للحمام مرة أخرى!
ابو العلاء: (ينهض لينصرف) أحسن الله إليك أيها الأمير الكريم ... لقد عشت ما عشت فلم أشهد كاليوم ذا لبدة من بني غيل يزعم للناس أنه من بني الهديل!
ستار
`