أبو العلاء: ما أمر الوزير إلا بسلطان الأمير.
مل المقام فكم أعاشر أمة = أمرت بغير صلاحها امراؤها
ظلموا الرعية واستجازوا كيدها = وعدوا مصالحها وهم أجراءها
ابن أبي هاشم: (يقرع الباب) يا أبا العلاء .. هل عندك أحد؟
أبو العلاء: نعم يا ابن أبي هاشم، انتظر قليلاً حتى يخرجوا من عندي.
فاطمة: أوه .. ماذا يصنع عندك الآن، ولا قراءة ولا إملاء؟
أبو العلاء: صه .. لا يسمعك.
فاطمة: قل له يدخل فقد خرجت (تنسحب).
أبو العلاء: (بصوت خافض) ويلي من النساء يخرجن ويتركن وراءهن أثراً من عرفهن! (يروح بطرف ردائه ليطرد العرف الذي خلفته فاطمة) ادخل الساعة يا ابن أبي هاشم!
ابن أبي هاشم: (يدخل) السلام عليك.
أبو العلاء: وعليك السلام .. ماذا وراءك من أنباء؟
ابن أبي هاشم: نبأ عظيم يا سيدي .. قد وثب رجال المدينة بالوزير، وكادوا يبطشون به لولا إن فر ناجياً بنفسه وفر جنوده معه ..
أبو العلاء: والسبعون رجلاً المحبوسون؟
ابن أبي هاشم: اطلقوهم جميعاً وقرروا إغلاق أبواب المدينة والدفاع عنها بأنفسهم.
أبو العلاء: لله در ام عيسى! لقد فعلت خطبتها في الجامع مالم تفعل ألف خطبة من على منبره! .. لكن هؤلاء قد أخطأوا في الوثوب بالوزير قبل أن يروا رأي الأمير لعله لا يقر عمل وزيره.
فقد ناصبوه العداء بعملهم هذا قبل أن يعرفوا ما عنده .. ليت شعري ماذا فعلت أم عيسى إني عليها لمشغول فما أتاني عنها شيء منذ يوم الجمعة.
ابن أبي هاشم: أتريد يا سيدي أن أعلم علمها لك؟
أبو العلاء: افعل مشكوراً وخذ هذا الدينار لها لعلها تحتاجه.
(ياخذ ابن أبي هاشم الدينار فيخرج)
فاطمة: (تدخل) أما إنك لحفي بأم عيسى هذه .. أتراها يا عمي أعجبتك؟
أبو العلاء: يا فاطمة لا تسخري بامرأة مسكينة!
فاطمة: أ مسكينة هذه التي هيجت المدينة واشعلتها ناراً؟
أبو العلاء: لو أحسنوا إليها ما وقع هذا الذي وقع. إنها تعول أيتاماً لا كاسب لهم، ولا أدري كيف حالها وحالهم اليوم. قاتل الله الأيام ما ابقت لي على مال!
فاطمة: أضعت مالك يا عمي على الناس.
أبو العلاء: هل تحبينني حقاً يا فاطمة؟
فاطمة: كيف لا وأنت فخري وفخر آل سليمان؟
أبو العلاء: فطوفي غداً على آل سليمان هؤلاء، واجمعي منهم ما تجود به نفوسهم لهذه الأرملة وأولادها.
فاطمة: حباً يا عمي وكرامة.
أبو العلاء: على الا تخبريهم أنني أنا الذي بعثتك.
فاطمة: فيم يا عمي؟ إنهم سيطيعون جميعاً أمرك، ويبادرون لتحقيق رغبتك.
ابو العلاء: كلا يا فاطمة، اجعلي هذا كأنه من تلقاء نفسك.
فاطمة: إنك لا تطلب شيئاً لنفسك.
أبو العلاء: أطيعي هذا الشيخ الضرير الذي جعلته فخر آل سليمان.
فاطمة:سمعاً وطاعة.
أبو العلاء: أين زوجك هذا، أما آن له أن يجيء لأخذك؟
فاطمة: أو قد ضجرت مني؟ دعني أبق قليلاً عندك.
صوت: (يسمع من الخارج) يا أبا العلاء!
فاطمة: هاهو ذا زوجي، قد جاء ليريحك مني!
أبو العلاء: (يضحك) دعيه يدخل .. ادخل يا سليمان!
ستار
اليوم الثالث
(تسمع أصوات المجانيق تضرب لمدنية)
أبو العلاء: ألا تكف هذه المجانيق لحظة؟ ويلهم لقد روعوا النساء والأطفال؟
ابن أبي هاشم: هذا ابن مرداس لا يرحم. لم لا يسلمون له فيحفظوا البلدة من الدمار؟
(يقرع الباب بشدة)
أبو العلاء: انظر يا ابن أبي هاشم من هذا.
(يفتح ابن أبي هاشم الباب وهو خائف أم عيسى فزعة ومعها أولادها الثلاثة)
أم عيسى: ادركني يا أبا العلاء وأدرك أولادي الصغار .. أحمنا عندك!
أبو العلاء: ما خطبك يا أم عيسى؟
أم عيسى: بعض الرعاع يريدون أن ينتقموا مني ومن أولادي .. زعموا أني سبب هذه المصيبة الحاقة بالبلد.
أبو العلاء: لا تراعي يا أم عيسى .. ادخلي وإياهم إلى المخدع الجواني ريثما أدبر لكم مأوى تأمنون فيه.
أم عيسى: حماك الله يا أبا العلاء (تخرج وأولادها من الباب الأيسر)
(تسمع أصوات من خارج الدار وجلبة جمع كبير).
أبو العلاء: ما هذا؟
ابن أبي هاشم: يا ويلنا .. لعلهم رأوها حين دخلت هنا فجاءوا يطلبونها.
أصوات: يا أبا العلاء! يا أبا العلاء!
ابن أبي هاشم: (ينظر من الكوة) هذا جمع غفير من الناس.
أبو العلاء: من الرعاع؟
ابن أبي هاشم: بل من وجوه الناس.
أبو العلاء: الحمد لله .. افتح الباب.
ابن أبي هاشم: (يفتح الباب) ماذا تريدون!
كبير القوم: نريد أن نكلم الشيخ أبا العلاء.
¥