كما أنه يقول عن أدبه وشعره وعلمه بالفقه والعلوم الشرعية:
أنا أشعر الفقهاء غير مدافعٍ ... في العصر، أو أنا أفقه الشعراء
شعري إذا ماقلت دونه الورى ... بالطبع لا بتكلف الإلقاء
ويقول عن نفسه:
أنا كالسُّها خافي المكانِ فضُمَّني ... يا صاح منكَ إلى ابْنِ نَعشٍ أُبْصَر
كم ذا التّطَوُّفُ في البلادِ مُضيَّعاً ... حَيرانَ يَقرُبُ مَوْردى من مَصْدَري
وأخوضُ في لُجَجِ البحار معَ الظّما ... فأعودُ منها ذا أديمٍ أَغْبَر
حالٌ من الحظِّ المُضاعِ تَغَيَّرُ الدْ ... نْيا مِراراً وهْي لم تَتغَيّر
(10) - يقول في وصف تلك الجميلة الحسناء:
وتطلعت فأضاء غرة وجهها ... بالليل أيسر منهجي والإيمنا
سترت محياها مخافة فتنتي ... بنقابها عني فكانت أفتنا
وتكاملت حسناً فلو قرنت لنا ... بالحسن إحساناً لكانت أفتنا
(11) - يقول: إنّ الذينَ عُهودُهمْ كعُيونِهمْ ... عندَ اللّقاء ضعيفةُ الأركان
جَعلوا وما عدَلوا غداةَ تَحكَّموا ... دَمْعي الطّليقَ لهمْ وقَلبي العاني
(12) - عفرية هي الشيطان المارد الذي ترجمه الشهب في قوله تعالى (إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ).
(13) - وهنا ترى فرقاً بين محبوبته والشمعة فمحبوبته ليست سهلة المنال , فلقد قال قال عنها:
ورد الخدود ودونه شوك القنا ... فمن المحدث نفسه أن يجتني
أما الشمعة فما على غصنها شوك يوقيها.
(14) - على الرغم من تكرار حرف القاف في هذا البيت إلا أنه لم يعب النظم بل زاده حسناً.
(15) - يذكر شاعرنا وحدته لرحيل أحبابه إلى العالم الآخر حيث عُمِر هو إلى ما بعد الثمانين في قوله:
وتَقطّعتْ أقرانُ عُمْري فانقضىَ ... إن شئِتُ أن تَتَفرّقَ القُرناءُ
(16) - كان القاضي يعاني كثيراً من عدم وجود الصديق المخلص والخل الوفي بل كل من حوله حُسّداً , قلوبهم ليست خالصة:
كم قد ضَرْبتُ في البلادِ طالباً ... مُفتِّشاً عن صاحبٍ مُساعد
فلم أَجِدْ في الشّرِّ غيرَ شامتٍ ... ولم أَجِدْ في الخَيرِ غيرَ حاسد
كُلُّ بني الحضرةِ قد ذمَمْتُهم ... ذَمَّ فتىً في القُربِ منهم زاهد
ما فيهمُ رِقّةُ قلبٍ بَتّةً ... لفاضلٍ في زَمنٍ مُناكِد
(17) - ياسف ويتحسر القاضي على أنه لم يبلغ غايته على طول سعيه ولعل في أبياته التالية معبراً عن حالته:
كيف أَرجو نَيْلَ الغِنَى في زَمانٍ ... أنا بالنّاسِ فيه ذو عِرفان
ظَلَّ مالي وظَلَّ عِلْميَ فيه ... وهُما في نهايةِ النُّقْصان
ورَضِينا بقسْمَةِ اللهِ إذ كا ... نَ مُحالاً أَن يُجْمَعَ الفَضْلان
أَن يكونَ الزّمانُ عَيْبيَ أَوْلَى ... بيَ من أَن أَكونَ عَيْبَ الزَّمان
(18) - على الرغم من أبيات الشاعر الموحية بالسعادة أحيانا لكننا نرى خلف تلك السعادة نفس ذاقت مرارة عُدمَ الصديق الوفي والأخ المواتي , يقول:
وَلَمَّا بَلَوْت النَّاسَ أَطْلُبُ مِنْهُمْ ... أَخَا ثِقَةٍ عِنْدَ اعْتِرَاضِ الشَّدَائِدِ
تَطَمَّعْت فِي حَالِي رَخَاءً وَشِدَّةً ... وَنَادَيْت فِي الْأَحْيَاءِ هَلْ مِنْ مُسَاعِدِ
فَلَمْ أَرَ فِيمَا سَاءَنِي غَيْرَ شَامِتٍ ... وَلَمْ أَرَ فِيمَا سَرَّنِي غَيْرَ حَاسِدِ
(19) - وكان من هموم شاعرنا أسفه الدائم على ما مضى من زمانه وحير ته وخوفه من المستقبل
فلقد دفعت إلى الهموم ينوبني ... منها ثلاث شدائد جمعن لي
أسف على ماضي الزمان وحيرة ... في الحال منه وخشية المستقبل
ما إن وصلت إلى زمان آخر ... إلا بكيت على الزمان الأول
(20) - ومما يثبت كراهته لمدح ولاة الأمر - مع أن له الكثير من قصائد المدح – وأنه يفعل هذا مضطراً قوله:
سعيي إليكم في الحقيقة والذي ... تجدون عنكم فهو سعي الدهر بي
أنحوكم ويرد وجهي القهقرى ... دهري فسيري مثل سير الكوكب
(21) - نستشعر في بعض أبيات القاضي نوع من السخرية المبطنة بالمدح فها هو يسخر من إهدائه القصائد للولاة بقوله:
وأهد إلى الوزير المدح يجعل ... لك المرباع منها والصفايا
وقل للسائرين إلى ذراه ... ألستم خير من ركب المطايا
(22) - حتى إن الصفدي في الوافي بالوفيات لم يعقب بعد ذكره للقصيدة سوى بقوله (وخرج إلى المديح).