ـ[أحاول أن]ــــــــ[11 - 02 - 2007, 03:43 م]ـ
قراءة في نص ..
حولي الكثير من القراء ممن هم أفضل مني لكني سأجرؤ لأني ورؤبة بن العجاج قد لوحنا بأوراق كهذه , وصرحت ُ بحبي لقراءات هادئة, ونقاشات راقية .. وما لبثت أن جاءت لرصيف الأدب باخرة محملة بما نريد ..
لتفسير النص ثلاثة محاور: اجتماعي وفني ونفسي ..
فالاجتماعي سيعني من يهتم بأثر المهجر على ميخائيل نعيمة أثره الديني والفكري والاجتماعي وحتى اللغوي ..
والفني يفصل النص عن مُنشِئه ويحتاج قارئا محترفا ومستمعا منصتا راغبا ,, (وملئي شوق لقراءة هذا القارئ وكلي آذان صاغية).
أما التفسير النفسي فهو حق مشاع .. كيف نزل هذا النص من روح صاحبه وكيف وقع على قارئه , وهذا ما ملكت يميني ..
عقدت ُ جبيني حين قرأت ُ "دودة " فهي حشرة لا توحي بالشاعرية كالفراشة مثلا .. لكني تذكرت أن نعيمة لم يكن الأول الذي يناجي ويحاور طرفا غريبا فالمبدعون الكبار يربطهم قاسم مشترك من سيطرة الوحدة وانعدام فهم الآخرين ..
جعلوا من الجمادات والحيوانات ومناظر الطبيعة (شريكا في الأنس) في غياب (الإنسان المشارك) ..
جعلوها صوتا حزينا .. يردد حزن أصواتهم ..
وقد بدأ هذا "التشخيص " والحوار النابع من أغوار القلب منذ قال امرؤ القيس:
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي
بصبح وما الإصباح منك بأمثل ِ
مرورا بحوار الحصان أو الرمح أو الأطلال أو حتى الشمعة والوردة والتلال والأنهار .. كلها ناجت الشعراء العباقرة وفهمتهم أكثر من البشر!! فالفكرة الفلسفية والرمزية هنا موجودة هناك ..
وتأمل معي موقفين متشابهين جدا .. متنافرين جدا ..
أبو فراس الحمداني يعاتب حمامة تنوح هديلا على نافذة سجنه في بلاد الروم .. ونعيمة يستجوب دودة تسير حثيثا ستصل إليه يوما ما ..
يقول ميخائيل نعيمة:
فها أنتِ عمياءٌ يقودكِ مُبصرٌ
وأمشي بصيراً في مسالك عُميان
لكِ الأرضُ مهدٌ والسماءُ مظلّةٌ
ولي فيهما من ضيق فكريَ سِجْنان
لعمركِ، يا أختاه، ما في حياتنا
مراتبُ قَدْرٍ أو تفاوتُ أثمان
مظاهرها في الكون تبدو لناظرٍ
كثيرةَ أشكالٍ عديدةَ ألوان
وأُقنومُها باقٍ من البدء واحداً
تجلّتْ بشُهبٍ أم تجلّتْ بديدان
وتأمل ما يقول أبو فراس
أقول وقد ناحت بقربي حمامة ٌ
أيا جارتا , لو تشعرين بحالي!
معاذ الهوى! ما ذقت ِ طارقة النوى
ولا خطرت منك الهموم ُ ببال ِ
أتحمل ُ محزون الفؤاد قوادم ٌ
على غُصُن ِ ناء ِ المسافة ِ عال ِ
أيا جارتا , ما أنصف الدهر بيننا!
تعالي .. أُقاسمْك ِ الهموم َ تعالي
تعالي .. تري روحا لدي َّ ضعيفة ً
ترَدَّدُ في جسم ٍ يعَذَّب ُ بال ِ
أيضحك ُ مأسور ٌ! وتبكي طليقة ٌ!
ويسكت ُ محزون ٌ ويندب سال ِ؟؟!
لقد كنت ُ أولى منك بالدمع مقلة ً
ولكن َّ دمعي في الحوادث ِ غال ِ!
بركانان ثائران بالأسئلة ..
كلاهما يغبطان محاورهما جارة أبي فراس وأخت نعيمة:الحمامة والدودة ويعترفان لهما بالنعيم الذي يعيشانه بعيدا عن العالم الإنسي ..
كلاهما يعيشان الوحدة والغربة في أقسى صورها ..
إنهما يعانيان قوانين البشر القاهرة ,, وتكالب الأسئلة الحائرة ..
كلاهما لديه ذات ُالفلسفةِ المُرَّة ِليغبط الطرف الآخر ..
وهما متنافران جدا ...................
فأبو فراس مستقر ٌّ نفسيا إلى حد ٍما ..
ونعيمة مشتّتٌ فكريا إلى بُعْد ٍ ما ..
أرى أبا فراس .... يسكن مكانا موحشا باردا مظلما ..
جالسا .. يرفع نظره للأعلى ...
فيرى خلف الحمامة الفضاء الرحب والأفق الطلق ..
وأرى نعيمة .... في فضاء ٍ رحب وأفق طلق ..
واقفا يخفض نظره للأسفل
فيرى خلف الدودة مكانا موحشا باردا مظلما ..
وعند كليهما صرخت الأسئلة بلا إجابات لكن ميخائيل نعيمة تكلم ولا يعرف .. وأبا فراس يعرف ولم يتكلم .. !
إنها مرحلة ٌ متقدِّمة ٌ من مراحل اليأس والوحدة ..
وهي بلاشك مرحلة ٌ متقدمة ٌ من مراحل الإيمان بعظمة الخالق عز وجل .. اليقين بمعرفة من نحن وما أضعفنا! .. فرائس سهلة لديدان مستضعفة ..
///اللهم انقلنا جميعا ووالدينا من مراتع الدود إلى جناتك جنات الخلود واكتبنا ممن تطمئن قلوبهم بذكرك سبحانك وبحمدك ///
ـ[ضاد]ــــــــ[11 - 02 - 2007, 03:52 م]ـ
قراءة رائعة جدا أختاه ومقارنة أروع.
جزاك الله خيرا.
أتأمل مشاركة البقية في القراءة الجادة للنص.
ـ[أحاول أن]ــــــــ[15 - 02 - 2007, 11:45 ص]ـ
¥