تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يمثل شعر احمد مطر معاناة الإنسان العربي، لا سيما المثقفون العرب، ويصور الصراع بين السلطة وأجهزتها القمعية من جهة و أبناء الشعب من جهة أخرى، كانت السلطة تستخدم أجهزة الأمن أداة للقمع والبطش بأبناء الشعب من خلال ممارسات بشعة، استطاع شاعرنا أن يفضح هذه الممارسات القمعية بأسلوب فكه ساخر ظاهره كوميدي، وباطنه نقد لاذع وهذا ما يبدو لنا لدى قراءتنا لشعر احمد مطر يقول:

في بلاد المشركين

يبصق المرء بوجه الحاكمين

فيجازى بالغرامهْ!

ولدينا نحن أصحابُ اليمينْ

يبصق المرء دماً تحت أيادي المخبرينْ

ويرى يوم القيامهْ

عندما ينثر ماء الوردِ والهيلِ

_ بلا إذن _

على وجه أمير المؤمنين. (54)

يصور معاناته وينتقد السلطات التي تكبّل الثقافة بالرقابة يقول مخاطباً الرقيب بأسلوب فني ساخر:

أين نمضي

أنت لا تفهم شعري؟

ما الغريبُ

أنا لا أفهمه أيضاً

ولكن

ينبغي أن أتحاشى

كل ما يؤذي الرقيبْ. (55)

ثم يسخر من الرقيب الذي يرى فيه سوطاً مسلطاً على إبداع الشعراء بقوله:

قال لي الطبيبْ:

خذ نفساً.

فكدت من _ فرط اختناقي

بالأسى والقهر _ استجيبْ

لكنني

خشيت أن يلمحني الرقيبْ

وقال: ممَّ تشتكي؟

أردت أن أجيبْ

لكنني

خشيت أن يسمعني الرقيبْ.

وعندما حَيَّرَتُهُ بِصَمْتِيَ الرهيبْ

وجَّه ضوءاً باهراً لمقلتي

حاول رفع هامتي

لكنني خفضتُها

ولذتُ بالنحيبْ

قلت له: معذرةً يا سيدي الطبيبْ

أودُّ أن ارفع رأسي عالياً

لكنني

أخاف أن .. يحذفه الرقيبْ!. (56)

ولكن الشاعر الصادق الذي يدافع عن أبناء جلدته يتحول إلى رصاصة بوجه أعداء شعبه يقول:

آه يا عصر القصاصْ

بلطة الجزار لا يذبحها قطر الندى

آن لي أن اترك الحبرَ

وان اكتب شعري بالرصاصْ!. (57)

السخرية من الفساد الاجتماعي:

من أهم الأسباب التي تجعل الشاعر يسخر من عيوب ونواقص مجتمعه هو الشعور بالحيف والظلم في مجتمع مضطرب فقدت فيه العدالة الاجتماعية، إذ أن فقدان هذه العدالة ينتج مجتمعاً يسوده قانون الغاب، ولان اختلال القيم الاجتماعية في مجتمع ما نتيجة لتدهور الظروف السياسية و الاقتصادية يؤدي إلى ضياع هذه القيم والتخلي عن الكثير منها، وهذه بدوره يؤدي إلى انتشار الفساد الإداري والأخلاقي في مؤسسات المجتمع كشيوع الرشوة وانتكاس القيم الأخلاقية الأصيلة، من ابرز الصفات الذميمة التي سخر منها شاعرنا (النفاق) الذي يهدم المجتمع ويدمره يقول مستخدما أسلوب التوكيد لعله يعالج هذه الآفة الاجتماعية بقوله:

نافقْ

ونافقْ

ثم نافق، ثم نافقْ.

لا يسلم الجسدُ النحيلُ من الأذى

إن لم تنافقْ.

نافقْ

فماذا في النفاقْ

إذا كذبت وأنت صادقْ؟

نافقْ

فان الجهلَ أن تهوى

ليرقى فوق جثتك المنافقْ.

لك مبدأٌ؟ لا تبتئسْ

كنْ ثابتاً

لكن .. بمختلف المناطقْ!

واسبق سواك بكل سابقةٍ

فان الحكم محجوزٌ

لأربابِ السوابقْ!. (58)

وينتقد الشعب الذي ينافق للحكام بقوله:

في بلادي

ثورةٌ تدفن ثورهْ

جرةٌ تكسر جرهْ

والهتافات بأفواه الجماهير تجيش

كل مره:

" يسقط الذاهب

وآلاتي يعيش

.. يا يعيش ". (59)

يصور شاعرنا بإسلوب ساخر حالة الفقر و الجوع التي يعاني منها البسطاء من أبناء الشعب في حين هناك طبقة أخرى تثري على حساب الفقراء يقول:

الملايينُ على الجوع تنامْ

وعلى الخوف تنامْ

وعلى الصمت تنامْ.

والملايينُ التي تسرق من جيب النيامْ

تتهاوى فوقهم سيل بنادقْ

ومشانقْ

وقرارات اتهامْ

كلما نادوا بتقطيع ذِراعَيْ

كلِّ سارقْ

وبتوفيرِ الطعامْ!. (60)

يتألم شاعرنا لمعاناة شعبه في حين تعيش شعوب أخرى حياة النعيم والترف، يسخر من هذه الحالة ويعقد مقارنة عجيبة بأسلوب ساخر مستخدماً الإيماءه لإيصال ما يريد إلى المتلقي بقوله:

يا سيدتي هذا ظلمْ!

كلبٌ يتمتع باللحمْ

وشعوبٌ لا تجد العظمْ!

كلبٌ يتحمم بالشامبو ..

وشعوبٌ تسبحُ بالدمْ!

كلبٌ في حضنِكِ يرتاحْ

يمتصُّ عصيرَ التفاحْ

وينالُ القبلةَ في الفمْ!

وشعوبٌ مثلٌ الأشباحْ

تقتاتُ بقايا الأرواحْ

وتنام بأثناء النوم!

Who are they ?_

_ قَومي.

Don`t mention them !_

قومُك هم أولى بالذَّمْ.

وبحمل الذّلةِ والضيمْ.

_ هذا ظلمٌ يا سيدتي ..

_ أين الظلمْ؟

ومن المتلبس بالجرمْ؟!

أنا دللتُ الكلبَ، ولكن همْ

أعطوه مقاليد الحكمْ!. (61)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير