ـ[آمال الجزائر]ــــــــ[24 - 08 - 2008, 09:12 م]ـ
السلام عليك ورحمة الله وبركاته
أعجبني ما كتبت عن الساخر المتميز، لذلك أريد أن أضيف كلمات عن ظاهرة رائعة تميز شعره .... ظاهرة استعمال المعجم القرآني:
تشكل التراكيب والألفاظ القرآنية في القصيدة الشعرية جانبا متميزا خاصة عندما يتفق المعنى الشعري بالمغزى القرآني أو يتقاطع معه.
ويبدو جليا تأثر أحمد مطر بالقرآن الكريم حيث يستعمل اللفظ أو التركيب القرآني استعمالا ينبئ عن عبقريته في فهم النصوص القرآنية من جهة، وفي ترجمة هذا الفهم إلى نصوص شعرية من جهة أخرى. ويمكن تقسيم استعمالاته القرآنية إلى ثلاثة أقسام:
*استعمال الآية عنوانا للقصيدة: ومن ذلك خمس قصائد
-"إن الإنسان لفي خسر": المستوحاة من قوله تعالى: ?والعصر إن الإنسان لفي خسر?.
-"فبأي ألاء الشعوب تكذبان": مأخوذة من قوله تعالى: ?فبأي آلاءربكما تكذبان?.
-"ذا الضحايا سئلت": والتي تتقاطع مع قوله تعالى: ?إذا الموءودة سئلت?.
-"لا أقسم بهذا البلد": وهي الآية الأولى من سورة البلد".
-"الفاتحة": وقد افتتح بها مجموعة لافتاته الثالثة.
*الإقتباس المباشر: ونجد هذا في أربعة مواضع:
-في قصيدته "قلة أدب" حيث يتلو آيات من سورة المسد ليفاجئنا بأمر مصادرة حنجرته ... ومصادرة القرآن. ووجه المناسبة في هذا الاقتباس هو الإنتقاد، فقد وظف الآيات التي تتوعد أحد أكبر المشركين بالخسران ليبين لنا حالة أولئك الكافرين بشعوبهم، وهم يتخوفون حتى من تلاوة الذكر الحكيم بأنهم يحسون بأنهم المقصودون.
-يوظف قوله تعالى: ?قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها?، توظيفا رائع في نهاية قصيدته "كلمات فوق الخرائب" حيث يصف لنا حالة الحكام المتواطئين مع الغرب في احتلال البقاع العربية وشن الحروب على أهلها مع تغطية لأفعالهم ببعض المظاهر الشكلية والتنديدات الكلامية والكتابية لإبعاد الشبهة ... ويأتي بالآية على أنها كتبت بخط دخان صاعد من نار التواطؤ المغطاة بالصكوك والتنديدات، ليقول أن اللعبة مكشوفة ... وإن استطاعوا إطفاء النار، فلن يستطيعوا حبس دخانها المتصاعد الذي يفضح أمرها.
-في قصيدته "إن الإنسان لفي خسر" يقتبس الآيتين الاولى والثانية من سورة "العصر"، يقول:
والعصر ...
إن الإنسان لفي خسر
في هذا العصر!
لقد اتفق السياق الشعري مع السياق القرآني، فأقسم على خسارة الإنسان وهلاكه باستعمال الآية، ليحدد بعدها زمنه المقصود "هذا العصر".
-ويقتبس من قوله تعالى: ?والتين والزيتون? في قوله:
هذا أنا ... ماذا إذن تبغون
مني، أنا المحزون والمطعون والمرهون؟
أن أترك الشتم وأن
أتلو لكم: "والتين والزيتون"؟
*توظيف الألفاظ والتراكيب القرآنية توظيفا شعريا: فإلى جانب الاستعمالات المباشرة للنص القرآني، لا تكاد لافتة من لافتات أحمد مطر تخلو من كلمة أو معنى قرآني
فقد طوع النص القرآني واستدعى الكثير من معانيه للتعبير عن واقعه الجديد. ولأن استعماله كان ناضجا، تميزت قصائده بالقوة والمصداقية والتسامي.
ولم يقتصر على شكل واحد في التعامل مع اللفظ القرآني، بل تنوع ذلك بحسب ما يقتضيه سياق القصيدة ... . يقول في قصيدته "رؤيا إبراهيم":
نفذ رؤياك ولا تجنح للتأويل
لن ينزل كبش ... لا تأمل بالتبديل
يا مولانا
إن لم تذبحه يذبحك
فهذا زمن آخر
يفدى فيه الكبش
باسماعيل!؟
وهنا نجد قوله تعالى: ?قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى، قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين، فلما أسلم وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم?.
لقد قلب الآيات الكريمة ليصنع لنا مفارقة ساخرة، يبين ما كان في قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام وما هو في واقعه المعاش، إنه لا يصطدم مع النص القرآني إنما يتفق ويتلاقى معه، فالشاعر يومئ إلى الدلالة القرآنية لينفيها عن واقعنا المعاش، لأنها أصبحت لا ترقى إلى الماضي أو تمثله، وهذا ما يؤكده قوله "فهذا زمن آخر". كما أسقط فلسفة الفداء ليحول دلالتها إلى الضد، مبرزا دناءة زمن صار لا يعترف بقيمة الإنسان.
ويستلهم الشاعر ما حدث مع الموءودات في الجاهلية، دون اقترافهن لذنب يسوغ قتلهن، يقول:
إذا الضحايا سئلت
بأي ذنب قتلت؟
لانتفضت أشلاؤها وجلجلت:
¥