حدث الأمة عني
بلغ الأمة أني
عيل صبري بين أسر واحتراقْ
هتك العهر اليهودي خشوعي
من رواق لرواقْ (قصيدة: رسالة من المسجد الأقصى)
*******
ثم قال المسجد الأقصى بحزم واقتضابْ:
من – ترى- المسؤول فيكم
ومتى يرسل الرد على هذا الخطابْ؟
قلت والآلام تشوي أضلعي
وخيالي شارد ليس معي
أعبر الماضي مطعونا بذل الواقع
ثم ألوي سابحا في أدمعي ... (رسالة من المسجد الأقصى)
*******
بلغ الأمة –يا عبد- سلامي
من معاني سورة الإسراء قدسي الهيام
أثري الوجد سني العناق
لا سلاما خائن النشأة عبري المذاق (قصيدة: رسالة من المسجد الأقصى)
*******
(4) جاءت كذلك الرسالة الركن الأول من العتبة الأولى على أنها صيحة أو صوتة أو صرخة واصفة ما صار عليه المسجد الأقصى في غياب الآذان الصاغية والقلوب الواعية والأجساد المتحركة .. جاءت ترسل صرختها حينا بمعنى سلبي حين تكون شعارا أجوف لا يغير من الواقع شيئا وهذه هي صرخة تلك الآذان اللاهية التي لا ترعى للقدس أي اهتمام في حقيقة الأمر وإنما تتباهى بكونها مهتمة به وبقضيته .. فصرخات هؤلاء لا تعبر إلا عن نفسها ولا تتراوح الدوي والنداء الذي لا طائل تحته ولا أهداف منه .. وحينا آخر تحمل الصرخات محاطة بأسلوب اعتذار الذي يفوح سخرية من تلك الآذان المشمئزة .. وحينا ثالثا تأتي الصرخة عبارة عن أنين ولكنه أنين يحمل صوت الحق .. أو تأتي استحثاثا للهمم، وحينا رابعا تكون الصيحة صيحة تحد وصرخة إيمان تملأ الزمان والمكان وإن لم تكن هناك آذان:
نحن لا نملك من نخوتنا
غير صرخات تدوي ونداء
*******
جفَّ هذا الريقُ في أفواهِنا
بُحَّتِ الأصواتُ منّا فارحمونا
وارحموا هذي الحناجِرْ
اُعذُرونا إنْ صَرَخْنا
إنّ في أعماقِنا الموتَ الزُّؤامْ
لا أظُنُّ الصارخَ المذبوحَ – إنْ صاحَ – يُلامْ
اُعذرونا إنْ فَتحْنا مرّةً أفواهَنَا
أَنْتَنَتْ ألفاظُنا في الحَلْقِ من شَدِّ الِّلثامْ
كِلْمَةُ المعروفِ شاخَتْ
وهْيَ تحيا في الظّلامْ
أهْوَ عَيبٌ أنْ نقولَ الحقَّ جَهْراً؟
أَهْوَ خَرْقٌ للنّظامْ؟
قبّحَ اللهُ لساناً يألَفُ الصّمْتَ الحرامْ! (قصيدة: رسالة من المسجد الأقصى)
*******
يا أخي في الله، هذا المسجد الأقصى جريحْ
في سكون الليل –لو تسمع- كالطفل يصيحْ (قصيدة: رسالة من المسجد الأقصى)
*******
إنني أصرخ والهيكل يبنى فوق رأسي
أيرجى النصر من أمثالكم
أم ترى أنعي لكم نفسي بنفسي
*******
أخي في اللهِ، قد فتكَتْ بنا عِلَلٌ
وهذي صرخةُ التكبيرِ تَشفي هذه العِلَلا
فأَصْغِ لها تجَلْجِلُ في نواحي الأرضِ ما تركَتْ
لها سهلاً ولا جَبَلا
تجوزُ حدودَنا خَرْقاً
وتعبُرُ عَنْوَةً دُوَلا (رسالة من حراس الأقصى)
*******
(5) كما جاءت الرسالة أيضا في شكل كتابة شاكية الوضع البئيس وما يقوم به العدو من انتهاكات وإن لم تكن جديدة فهي تعود إلى غابر العصور قد تكون حتى من قبل موسى عليه السلام، ومتألمة من المعاناة والقيود المفروضة والاضطهاد الممارس بكل وحشية، ومتحسرة على المواقف المترهلة والاحتجاجات الفارغة والأصوات الجوفاء والصيحات النخبة والتنديدات التي لا معنى لها من القريب ومن البعيد:
كتب الأقصى حزينا يشتكي وضعا بئيسا:
ضجّروا –من قبل- موسى ....
كتب الأقصى وفي المحراب نارُ
ويلوك المنبرَ الرمزَ لهيب واستعارُ:
أو هذا كل ما في وسعكمْ؟ ....
كتب الأقصى وفي رجليه قيدُ
وعلى أبوابه –من بقايا عُبّد الطاغوت- جندُ:
طال شوقي لصليل السيف يشدو
وصهيل الخيل وسط النقع تعدو
هل صلاح الدين –يوما-في رجال القوم يبدو؟ (قصيدة: رسالة من المسجد الأقصى)
*******
(6) وأخيرا تتمثل هذه الرسالة في شكل خطاب أرسله (المسجد الأقصى) إلى الشاعر كي يبلغ الأمة .. أرسل ذلك الخطاب ملؤه اللوم والعتاب، ويحفه الاشتياق إلى رجال بنوا مجد الأمة في سالف الدهر، ويحيطه التلهف على الغد المشرق والمستقبل المضيء .. وملؤه أيضا السؤال الممزوج بالمرارة والمفعم بالاستنكار والمسيج بالصبر على طول الانتظار .. ومع كل هذا تأتي الرسالة خطابا تستولي عليه روح التفاؤل والنصرة، ويعرج به من الغربة إلى العودة ..
أرسَلَ الأقصى خِطاباً فيه لومٌ واشتِياقْ
قالَ لي وَهْوَ يعاني
مِنْ هَوانٍ لا يُطاقْ:
حَدِّثِ الأمّةَ عنّي
بَلِّغِ الأمّةَ أنّي
عيلَ صبري بين أسرٍ واحتِراقْ
¥